لا تطع كل حلاف شارطا يساره ، لأنه إذا أطاع الكافر لغناه ، فكأنه اشترط في الطاعة الغنى ، ونحو صرف الشرط إلى المخاطب صرف الرجاء إليه في قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ). انتهى. وأقول : إن كان شرط ، وإذا تتلى شرط ، فهو مما اجتمع فيه شرطان ، وليسا من الشروط المترتبة الوقوع ، فالمتأخر لفظا هو المتقدم ، والمتقدم لفظا هو شرط في الثاني ، كقوله :
فإن عثرت بعدها إن والت |
|
نفسي من هاء تاء فقولا لها لها |
لأن الحامل على ترك تدبر آيات الله كونه ذا مال وبنين ، فهو مشغول القلب ، فذلك غافل عن النظر والفكر ، قد استولت عليه الدنيا وأبطرته. وقرأ الحسن : أئذا على الاستفهام ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله القرآن أساطير الأولين لما تليت عليه آيات الله. ولما ذكر قبائح أفعاله وأقواله ، ذكر ما يفعل به على سبيل التوعد فقال : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) ، والسمة : العلامة. ولما كان الوجه أشرف ما في الإنسان ، والأنف أكرم ما في الوجه لتقدمه ، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية ، واشتقوا منه الأنفة وقالوا : حميّ الأنف شامخ العرنين. وقالوا في الذليل : جدع أنفه ، ورغم أنفه. وكان أيضا مما تظهر السمات فيه لعلو ، قال : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) ، وهو غاية الإذلال والإهانة والاستبلاد ، إذ صار كالبهيمة لا يملك الدفع عن وسمه في الأنف ، وإذا كان الوسم في الوجه شينا ، فكيف به على أكرم عضو فيه؟ وقد قيل : الجمال في الأنف ، وقال بعض الأدباء :
وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل |
|
فكيف إذا ما الخال كان له حليا |
وسنسمه فعل مستقبل لم يتعين زمانه. وقال ابن عباس : هو الضرب بالسيف ، أي يضرب به وجهه وعلى أنفه ، فيجيء ذلك كالوسم على الانف ، وحل به ذلك يوم بدر. وقال المبرد : ذلك في عذاب الآخرة في جهنم ، وهو تعذيب بنار على أنوفهم. وقال آخرون : ذلك يوم القيامة ، أي نوسم على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره. وقال قتادة وغيره : معناه سنفعل به في الدنيا من الذم والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى به ، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتا بينا ، كما تقول : سأطوقك طوق الحمامة : أي أثبت لك الأمر بينا فيك ، ونحو هذا أراد جرير بقوله :
لما وضعت على الفرزدق ميسمي
وفي الوسم على الأنف تشويه ، فجاءت استعارته في المذمات بليغة جدّا. قال ابن