على الحال المؤكدة أو المبينة ، والعامل فيها لظى ، وإن كان عاملا لما فيه من معنى التلظي ، كما عمل العلم في الظرف في قوله :
أنا أبو المنهال بعض الأحيان
أي : المشهور بعض الأحيان ، أو على الاختصاص للتهويل ، قاله الزمخشري : وكأنه يعني القطع. فالنصب فيها كالرفع فيها ، إذا أضمرت هو فتضمر هنا ، أعني تدعو ، أي حقيقة يخلق الله فيها الكلام كما يخلقه في الأعضاء ، قاله ابن عباس وغيره ، تدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. وقال الزمخشري : وكما خلقه في الشجرة. انتهى ، فلم يترك مذهب الاعتزال. وقال الخليل : مجاز عن استدنائها منهم وما توقعه بهم من عذابها. وقال ثعلب : يهلك ، تقول العرب : دعا الله ، أي أهلكك ، وحكاه الخليل عن العرب ، قال الشاعر :
ليالي يدعوني الهوى فأجيبه |
|
وأعين من أهوى إليّ رواني |
وقال آخر :
ترفع للعيان وكل فج |
|
طباه الدعي منه والخلاء |
يصف ظليما وطباه : أي دعاه والهوى ، والدعي لا يدعوان حقيقة ، ولكنه لما كان فيهما ما يجذب صارا داعيين مجازا. وقيل : تدعو ، أي خزنة جهنم ، أضيف دعاؤهم إليها ، (مَنْ أَدْبَرَ) عن الحق ، (وَتَوَلَّى ، وَجَمَعَ فَأَوْعى) : أي وجمع المال ، فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤد حق الله فيه ، وهذه إشارة إلى كفار أغنياء. وقال الحكيم : كان عبد الله بن حكيم لا يربط كيسه ويقول : سمعت الله يقول : (وَجَمَعَ فَأَوْعى ، إِنَّ الْإِنْسانَ) جنس ، ولذلك استثنى منه (إِلَّا الْمُصَلِّينَ). وقيل : الإشارة إلى الكفار. وقال ثعلب : قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع؟ فقلت : قد فسره الله تعالى ، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره ، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع ، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس. انتهى.
ولما كان شدة الجزع والمنع متمكنة في الإنسان ، جعل كأنه خلق محمولا عليهما كقوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (١) ، والخير المال ، (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) : استثناء كما قلنا من الإنسان ، ولذلك وصفهم بما وصفهم به من الصبر على المكاره والصفات الجميلة التي حاوروها. وقرأ الجمهور : (عَلى صَلاتِهِمْ) بالإفراد ؛ والحسن جمعا ؛ وديمومتها ، قال
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٧.