ولم أجد ملتحدا بل ، قال : (مِنْ دُونِهِ) ؛ والبلاغ من الله لا يكون داخلا تحت قوله : (مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) لأنه لا يكون من دون الله ، بل يكون من الله وبإعانته وتوفيقه. وقال قتادة : التقدير لا أملك إلا بلاغا إليكم ، فأما الإيمان والكفر فلا أملك. انتهى ، وفيه بعد لطول الفصل بينهما. وقيل ، إلا في تقدير الانفصال : إن شرطية ولا نافية ، وحذف فعلها لدلالة المصدر عليه ، والتقدير : إن لم أبلغ بلاغا من الله ورسالته ، وهذا كما تقول : إن لا قياما قعودا ، أي إن لم تقيم قياما فاقعد قعودا ، وحذف هذا الفعل قد يكون لدلالة عليه بعده أو قبله ، كما حذف في قوله :
فطلقها فلست لها بكفء |
|
وإلا يعل مفرقك الحسام |
التقدير : وإن تطلقها ، فحذف تطلقها لدلالة فطلقها عليه ، ومن لابتداء الغاية. وقال الزمخشري : تابعا لقتادة ، أي لا أملك إلا بلاغا من الله ، و (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي) : جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه على معنى أن الله إن أراد به سوءا من مرض أو موت أو غيرهما لم يصح أن يجيره منه أحد أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه. انتهى. (وَرِسالاتِهِ) ، قيل : عطف على (بَلاغاً) ، أي إلا أن أبلغ عن الله ، أو أبلغ رسالاته. الظاهر أن رسالاته عطف على الله ، أي إلا أن أبلغ عن الله وعن رسالاته. (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) : أي بالشرك والكفر ، ويدل عليه قوله : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً). وقرأ الجمهور : (فَإِنَّ لَهُ) بكسر الهمزة. وقرأ طلحة : بفتحها ، والتقدير : فجزاؤه أن له. قال ابن خالويه : وسمعت ابن مجاهد يقول : ما قرأ به أحد وهو لحن ، لأنه بعد فاء الشرط. وسمعت ابن الأنباري يقول : هو ضراب ، ومعناه : فجزاؤه أن له نار جهنم. انتهى. وكان ابن مجاهد إماما في القراءات ، ولم يكن متسع النقل فيها كابن شنبوذ ، وكان ضعيفا في النحو. وكيف يقول ما قرأ به أحد؟ وهذا كطلحة بن مصرّف قرأ به. وكيف يقول وهو لحن؟ والنحويون قد نصوا على أن إن بعد فاء الشرط يجوز فيها الفتح والكسر. وجمع (خالِدِينَ) حملا على معنى من ، وذلك بعد الحمل على لفظ من في قوله : (يَعْصِ) ، (فَإِنَّ لَهُ).
(حَتَّى إِذا رَأَوْا) : حتى هنا حرف ابتداء ، أي يصلح أن يجيء بعدها جملة الابتداء والخبر ، ومع ذلك فيها معنى الغاية. قال الزمخشري : فإن قلت : بم تعلق حتى وجعل ما بعده غاية له؟ قلت : بقوله (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ، على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة ويستضعفون أنصاره ويستقلون عددهم (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) من يوم بدر ، وإظهار الله له عليهم ، أو من يوم القيامة ، (فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ أنهم (أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُ