الفلاسفة. وأما مشاهدته أصحاب الإلهامات الصادقة ، فلي من العمر نحو من ثلاث وسبعين سنة أصحب العلماء وأتردد إلى من ينتمي إلى الصلاح ، فلم أر أحدا منهم صاحب إلهام صادق.
وأما الكرامات ، فلا أشك في صدور شيء منها ، لكن ذلك على سبيل الندرة ، وذلك في من سلف من صلحاء هذه الأمة ؛ وربما قد يكون في أعصارنا من تصدر منه الكرامات ، ولله تعالى أن يخص من شاء بما شاء والله الموفق.
وقرأ الجمهور : (لِيَعْلَمَ) مبنيا للفاعل. قال قتادة : ليعلم محمد صلىاللهعليهوسلم أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم وحفظوا. وقال ابن جبير : ليعلم محمد أن الملائكة الحفظة الرصد النازلين بين يدي جبريل وخلفه قد أبلغوا رسالات ربهم. وقال مجاهد : ليعلم من أشرك وكذب أن الرسل قد بلغت ، وعلى هذا القول لا يقع لهم هذا العلم إلا في الآخرة. وقيل : ليعلم الله رسله مبلغة خارجة إلى الوجود ، لأن علمه بكل شيء قد سبق. واختار الزمخشري هذا القول الأخير فقال : (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) : يعني الأنبياء. وحد أولا على اللفظ في قوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ، ثم جمع على المعنى كقوله : (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ) ، والمعنى : ليبلغوا رسالات ربهم كما هي محروسة من الزيادة والنقصان ، وذكر العلم كذكره في قوله (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ) (١). انتهى. وقيل : (لِيَعْلَمَ) ، أي : أيّ رسول كان أن الرسل سواه بلغوا. وقيل : ليعلم إبليس أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم سليمة من تخليطه وإسراف أصحابه. وقيل : ليعلم الرسل أن الملائكة بلغوا رسالات ربهم. وقيل : ليعلم محمد أن قد بلغ جبريل ومن معه إليه رسالة ربه. وقيل : ليعلم الجن أن الرسل قد بلغوا ما أنزل إليهم ، ولم يكونوا هم المتلقين باستراق السمع. وقرأ ابن عباس وزيد بن عليّ : ليعلم ، بضم الياء مبنيا للمفعول ؛ والزهري وابن أبي عبلة : بضم الياء وكسر اللام ، أي ليعلم الله ، أي من شاء أن يعلمه ، أن الرسل قد أبلغوا رسالاته.
وقرأ الجمهور : (رِسالاتِ) على الجمع ؛ وأبو حيوة : على الإفراد. وقرأ الجمهور : (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) : وأحاط مبنيا للفاعل ، أي الله ، (وَأَحْصى) : مبنيا للفاعل ، أي الله كل نصبا ؛ وابن أبي عبلة : وأحيط وأحصى مبنيا للمفعول كل رفعا. ولما كان ليعلم مضمنا
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٣١.