عليها. والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث ، فإذا قلت : يوم الجمعة أقوم ، فالقيام واقع في يوم الجمعة ، وليس لا حدث لها ، فكيف يكون لها عمل في الظرف؟ والمثال الذي شبه به ، وهو يوم القيامة ، ليس لي شغل ، لا يدل على أن يوم الجمعة منصوب بليس ، بل هو منصوب بالعامل في خبر ليس ، وهو الجار والمجرور ، فهو من تقديم معمول الخبر على ليس ، وتقديم ذلك مبني على جواز تقديم الخبر الذي لليس عليها ، وهو مختلف فيه ، ولم يسمع من لسان العرب : قائما ليس زيد. وليس إنما تدل على نفي الحكم الخبري عن المحكوم عليه فقط ، فهي كما ، ولكنه لما اتصلت بها ضمائر الرفع ، جعلها ناس فعلا ، وهي في الحقيقة حرف نفي كما النافية.
ويظهر من تمثيل الزمخشري إذا بقوله : يوم الجمعة ، أنه سلبها الدلالة على الشرط الذي هو غالب فيها ، ولو كانت شرطا ، وكان الجواب الجملة المصدرة بليس ، لزمت الفاء ، إلا إن حذفت في شعر ، إذ ورد ذلك ، فنقول : إذا أحسن إليك زيد فلست تترك مكافأته. ولا يجوز لست بغير فاء ، إلا إن اضطر إلى ذلك. وأما تقديره : إذا وقعت كان كيت وكيت ، فيدل على أن إذا عنده شرطية ، ولذلك قدر لها جوابا عاملا فيها. وأما قوله : بإضمار اذكر ، فإنه سلبها الظرفية ، وجعلها مفعولا بها منصوبة باذكر.
و (كاذِبَةٌ) : ظاهره أنه اسم فاعل من كذب ، وهو صفة لمحذوف ، فقدره الزمخشري : نفس كاذبة ، أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على الله ، وتكذب في تكذيب الغيب ، لأن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة ، وأكثر النفوس اليوم كواذب مكذبات ، لقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) (١) ، (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٢) (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) (٣) ، واللام مثلها في قوله : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (٤) ، إذ ليس لها نفس تكذبها وتقول لها : لم تكذبي ، كما لها اليوم نفوس كثيرة يقلن لها : لم تكذبي ، أو هي من قولهم : كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم ، إذا شجعته على مباشرته ، وقالت له : إنك تطيقه وما فوقه ، فتعرض له ولا تبال على معنى : أنها وقعة لا تطاق بشدة وفظاعة ، وأن لا نفس حينئذ تحدث صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور ، وتزين له احتمالها وإطاقتها ، لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذل. ألا ترى إلى قوله تعالى : (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) (٥)؟ والفراش مثل في الضعف.
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٨٤.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢٠١.
(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٥٥.
(٤) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٤.
(٥) سورة القارعة : ١٠١ / ٤.