كثيف فكلّمه عبد الله بن جعفر في أهل المدينة ، وقال : إنّما تقتل بهم نفسك ، فقال : أجل ، أقتل بهم نفسي ، وأشفي نفسي ، ولك عندي واحدة ، آمر مسلم بن عقبة أن يتخذ المدينة طريقا ، فإنّ هم تركوه ، ولم يعرضوا له ولم ينصبوا الحرب تركهم ، ومضى إلى ابن الزبير ، فقاتله ، وإن هم منعوه أن يدخلها ونصبوا له الحرب بدأ بهم فناجزهم القتال ، فإن ظفر بهم قتل من أشرف له وأنهبها ثلاثا ، ثم مضى إلى ابن الزبير.
فرأى عبد الله بن جعفر أن في هذا فرجا كبيرا ، وكتب بذلك إليهم ، وأمرهم أن لا يعرضوا لجيشه إذا مرّ بهم حتى يمضي عنهم إلى حيث أرادوا ، وأمر يزيد مسلم بن عقبة بذلك. وقال له : إن حدث بك حدث فحصين بن نمير على الناس ، فورد مسلم بن عقبة المدينة ، فمنعوه أن يدخلها ونصبوا له الحرب ، وقالوا : من يزيد؟ فأوقع بهم ، وأنهبها ثلاثا (١) ، ثم خرج يريد ابن الزبير ، وقال : اللهمّ إنه لم يكن قوم أحبّ إليّ أن أقاتلهم من قوم خلعوا أمير المؤمنين ، ونصبوا لنا الحرب ، اللهمّ فلمّا أقررت عيني من أهل المدينة فأبقني حتى تقرّ عيني من ابن الزبير ، ومضى.
فلما كان بالمشلّل (٢) نزل به الموت ، فدعا حصين بن نمير فقال له : يا برذعة الحمار لو لا عهد أمير المؤمنين إليّ فيك لما عهدت إليك ، اسمع عهدي ، لا تمكّن قريشا (٣) من أذنك ، ولا تزدهم على ثلاث : الوفاق (٤) ، ثم الثقاف (٥) ثم الانصراف ، فأعلم الناس أن الحصين واليهم ، ومات مكانه ، فدفن على ظهر المشلّل (٦) لسبع ليال بقين من المحرم سنة أربع وستين ، ومضى حصين بن نمير.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، أنا سليمان بن إسحاق ، نا الحارث بن أبي أسامة ، نا محمّد بن سعد ، أنا محمّد بن عمر ، حدّثني
__________________
(١) جاء في الإمامة والسياسة أنه أنهبها ثلاثا ، قال : فقتل الناس ، وفضحت النساء ، ونهبت الأموال. وقال ياقوت في معجم البلدان (حرة) : واستباحوا الفروج ، وحملت منهم ثمانمائة حرة وولدن ، وكان يقال لأولئك الأولاد : أولاد الحرّة.
(٢) المشلل : جبل يهبط منه إلى قديد من ناحية البحر (معجم البلدان).
(٣) وفي رواية : قرشيا (الكامل لابن الأثير ٢ / ٦٠١).
(٤) في العقد الفريد ٤ / ٢٤١ الوقاف ، ويعني به الوقوف في الحرب أو خصومة.
(٥) الثقاف : الانصراف.
(٦) كذا ، وقيل بالقديد (مروج المسعودي) وقيل بالأبواء.