طعنت برمح ، فقال له أبو قلابة : أبا عبد الله ، لعل فئاما (١) من الناس رأوك واقفا ، فقالوا : هذا مسلم بن يسار فقتلوا في سبيلك ، فانتحب فبكى.
أخبرنا أبو الأعزّ قراتكين بن الأسعد ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو الحسن بن لؤلؤ ، أنا أبو بكر محمّد بن الحسين بن شهريار ، نا أبو حفص الفلاس ، نا عبد الرّحمن بن مهدي ، حدّثني حمّاد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال لي مسلم بن يسار :
أما إني أحمد الله إليك أنّي لم أرم بسهم ، ولم أضرب بسيف ، قال : قلت : فكيف بمن رآك بين الصفّين فقال : هذا مسلم بن يسار لا يقاتل إلّا على حق ، فقاتل حتى قتل ، فبكى والله حتى وددت أنّ الأرض انشقت فدخلت فيها.
أخبرنا (٢) أبو محمّد عبد الكريم بن حمزة السلمي ، نا أبو محمّد عبد العزيز بن أحمد ابن محمّد التميمي ، أنا أبو القاسم تمام بن محمّد بن عبد الله بن جعفر البجلي ، أنا أبي ـ رحمهالله ـ نا أيوب بن سليمان بن نبة الرازي ، نا عبد الله بن محمّد القرشي ، حدّثني محمّد ابن الحسين ، حدّثني إبراهيم بن بشار ، نا سفيان.
أن عابدا كان يتعبد في جبل يؤتى كل يوم ، فقال لمسلم بن يسار : يا مسلم بن يسار ، أما كان في مهابة الله وإعظام جلاله ، والاشتغال بطاعته ما يصدك عن مخرجك الذي خرجت له؟ قال : فبكى مسلم بن يسار وقال : ويحك أيها الراهب ، ما أردت إلّا خيرا ، والله لقد وقفت موقفا ما رميت فيه سهما ، ولا خدشت أحدا خدشا ، ولوددت أني ما كنت قبل ذلك بزمان طويل ، ولم أشهد ذلك الموقف ، قال : فقال له الراهب : وكيف تصنع بمن نظر إليك في ذلك المشهد فقال : هذا مسلم بن يسار سيد القرّاء قد خرج وأنا أرضى لنفسي ما رضي مسلم بن يسار لنفسه؟ فبكى مسلم بن يسار حتى اشتدّ بكاؤه وعلا صوته ، فلما رأى الراهب ما قد نزل به ، قام ، وتركه.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو بكر بن الطبري ، أنا أبو الحسين بن الفضل ، أنا عبد الله بن جعفر ، نا يعقوب (٣) ، نا عيسى بن محمّد ، أنا أزهر ، عن ابن عون قال :
كان مسلم بن يسار لا يفضل عليه أحد في ذلك الزمان حتى فعل تلك الفعلة ، فلقيه أبو
__________________
(١) رسمها بالأصل : «مياما» وفي «ز» وم : «قياما» والمثبت عن د ، والتاريخ الكبير.
(٢) كتب فوقها في «ز» ، ود : ملحق.
(٣) رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ ٢ / ٨٥.