جعل تحت كلّ مكمن كمينا ، ونحن الآن على هذا الجبل في حصن ، وبيننا وبينه العاصي.
وألقى الله في قلب ملك الروم منه الرعب حتى رحل عنها بعد إحدى وعشرين يوما (١) ، وطلب درب أفامية (٢) ، وترك مجانيقه العظام (٣) ، وتبعه أتابك إلى بعض الطريق ، وعاد ظافرا قد حفظ الإسلام بالشام ، ورفع المجانيق إلى قلعة حلب المحروسة ، فوصف مسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم الحال فقال (٤) :
بعزمك أيها الملك العظيم |
|
تذلّ لك الصعاب وتستقيم |
رآك الدهر منه أشدّ بأسا |
|
وشحّ بمثلك الزمن الكريم |
إذا خطرت سيوفك في نفوس |
|
فأول ما يفارقها الجسوم |
ولو أضمرت للأنواء حربا |
|
لما طلعت لهيبتك الغيوم |
أيلتمس الفرنج لديك عفوا |
|
وأنت بقطع دابرها زعيم |
وكم جرّعتها غصص المنايا |
|
بيوم فيه يكتهل الفطيم |
فسيفك في مفارقهم خضيب |
|
وذكرك في مواطنهم عظيم |
وكلّ محصّن منهم أخيذ |
|
وكلّ محضّن فيهم يتيم |
ولمّا أن طلبتهم تمنّى الفتية |
|
جوسلينهم اللئيم |
أقام يطوف الآفاق حينا (٥) |
|
وأنت على معاقلهم مقيم |
__________________
(١) حدد رنسيمان أسباب انسحاب ملك الروم عن شيزر خلال إيراده تفاصيل حصارها كما يلي :
ـ تخاذل ريموند وجوسلين ـ الأميران اللاتينيان ـ وتكاسلهما في القتال إلى جانب البيزنطيين لارتيابهما في نوابا الامبراطور بعد السيطرة على شيزر.
ـ تخلي زنكي عن حصار حماه واستعداده للدفاع عن شيزر.
ـ إيفاد زنكي الرسل إلى السلطان في بغداد ، وتجهيزه العساكر ـ بعد تباطؤ.
ـ نجاح زنكي ـ من خلال عملائه ـ في بث الحقد بين الأمراء اللاتين والامبراطور.
ـ حصانة شيزر وبسالة المدافعين عنها ، وحنكة أميرها ودبلوماسيته من خلال الاتصالات التي أجراها مع الامبراطور لكي يرفع الحصار عن شيزر.
ـ ويذكر رنسيمان مسببا آخر في الحاشية ١ ص ٣٤٧ : وهو سوء الأحوال الجوية التي ساعدت في إنقاذ شيزر.
(الحروب الصلبية ٢ / ٣٤٤ ـ ٣٤٧).
(٢) أفامية : مدينة حصينة من سواحل الشام وكورة من كور حمص (معجم البلدان).
(٣) وكان ملك الروم قد نصب عليها ثمانية عشر منجنيقا (الكامل في التاريخ : ٦ / ١٩).
(٤) بعض الأبيات في الكامل في التاريخ ١٦ / ١٩.
(٥) في المختصر : جبنا.