كان عليها فوجدت مجوفة كالحوض ، وبه عبر ابن جبير عنها ، فوجدوا فيما يلي القبلة منها قطعا كثيرة من أخشاب المنبر المحترق ـ أعني الذي كان فيه بقايا منبر النبي صلىاللهعليهوسلم ـ فوضعها الأقدمون في جوف ذلك المحل حرصا على البركة ، وبنوا فوقها بالآجر بحيث سدوا جوف ذلك الحوض كله ، فصار دكة مستوية ، ووضعوا المنبر الآتي ذكره عليها ، وشاهدت آثار قائمتي المنبر الشريف اللتين كان بأعلاهما رمانتاه قد نحت لهما في الحجر المحيط بالحوض المذكور على نحو ذراع وثلث من طرف باطن الحوض المذكور مما يلي القبلة ، وسعة الحوض المذكور خمسة أشبار كما ذكره ابن جبير في سعة المنبر ، وعرض جدار الحوض المذكور خلف المنبر نحو نصف ذراع ، وقد حرصت على وضع ما وجد من تلك الأخشاب في محلها ، فوضع ما بقي منها في محله من الحوض المذكور ، وبنوا عليه كما سيأتي ، والله أعلم.
ولما احترق المنبر المذكور في جملة الحريق أرسل الملك المظفر صاحب اليمن في سنة ست وخمسين منبرا له رمانتان من الصندل ، فنصب في موضع منبر النبي صلىاللهعليهوسلم كما ذكره المطري فمن بعده ، قال : ولم يزل يخطب عليه عشر سنين ، فلما كان في سنة ست وستين وستمائة أرسل الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري هذا المنبر الموجود اليوم أي : زمن المطري ، فقلع منبر صاحب اليمن ، وحمل إلى حاصل الحرم ، ونصب هذا المنبر مكانه ، وطوله أربع أذرع في السماء ، ومن رأسه إلى عتبته سبع أذرع يزيد قليلا ، وعدد درجاته تسع بالمقعد.
قال المجد : وله باب بمصراعين ، في كل مصراع رمانة من فضة ، ومكتوب على جانبه الأيسر اسم صانعه «أبو بكر بن يوسف النجار» وكان من أكابر الصالحين الأخيار ، وهو الذي قدم بالمنبر إلى المدينة ، فوضعه في موضعه ، فأحسن وضعه ، وأتقن نجارته وصنعته ، ثم انقطع في المدينة.
قال الزين المراغي : وبقي منبر الظاهر بيبرس يخطب عليه من سنة ست وستين وستمائة إلى سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، فكانت مدة الخطبة عليه مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة ، فبدأ فيه أكل الأرضة ؛ فأرسل الظاهر برقوق صاحب مصر هذا المنبر الموجود اليوم : أي زمن المراغي ، أرسله في آخر سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، وقلع منبر الظاهر بيبرس ، انتهى.
قلت : ولم يزل هذا المنبر موجودا إلى ما بعد العشرين وثمان مائة ، كما أخبرني به جماعة من مشايخ الحرم منهم الشيخ صالح المعمر الجمال عبد الله بن قاضي القضاة عبد الرحمن بن صالح ، قال : فأرسل سلطان مصر الملك «المؤيد شيخ» هذا المنبر الموجود اليوم عام اثنين وعشرين وثمان مائة.
ثم رأيت في كلام الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر أن المنبر الموجود اليوم أرسله المؤيد