الداخل والخارج في جهة المشرق على ما قدمناه ، فتردد متولي العمارة في نقب الجدار الشامي لإحكام ذلك الشق وترميم الشق المقابل له.
ثم عزم على هدم الجدار المذكور ـ أعني : جدار الحجرة الداخل من جهة الشام ـ بأجمعه ، فبدأ برفع السقف الذي وجد على الحجرة نفسها كما قدمناه ، وحينئذ ظهر لهم ساحة الحجرة الشريفة ، وستر الله تعالى القبور الشريفة عن الأعين بالردم ، ثم علمت أن هذا الموطن يطلب فيه من التثبت والأدب التام ما لا يطلب في غيره ، فانصرفت عازما على أن لا أحضر معهم ما داموا في تعاطي الهدم وأن أحضر معهم في البناء. ثم أفاضوا في عقد قبة سفلية على جدار الحجرة الداخل رعاية الإتقان والإحكام فكرهت ذلك لعلمي أنه يجر إلى هدم معظم الحجرة مع ما فيه من تغيير الهيبة الأولى.
ثم في حادي عشر شعبان المذكور أجمعوا أمرهم على ذلك ، فشرعوا في هدم الجدار الشامي والشرقي من البناء الداخل ، فوجدوا في الجانب الذي يلي المغرب من الجدار الشامي ، وكذا فيما يقابله من القبلي ، وكذا في الغربي عند ما هدموا أسفل السترة المبنية على السقف المحترق بين فصوص الأحجار وأعلاها مع رأس الجدر المذكورة لبنا غير مشوى طول اللبنة منه أرجح من ذراع وعرضه نصف ذراع ، وسمكه ربع ذراع ، وطول بعضه وعرضه وسمكه واحد وهو نصف ذراع ، ولم يجدوا مثل ذلك في الجدار الشرقي ، ولا فيما يليه من الشامي والقبلي ، وقد عاب بعض الناس على الأقدمين في وضعهم ذلك في الجدار ، ونسبهم به إلى التقصير ، وربما قال : إن البنائين زمن الوليد لما أمر ببناء المسجد على يد عمر بن عبد العزيز كانوا كفارا ، وإن ذلك من غشهم ، وهذا جهل من قائله.
وقد قدمنا من شرح حال بناء الحجرة ما فيه كفاية ، وتقدم أن عمر بن الخطاب أو ابن الزبير هو الباني للحجرة على ما رواه ابن سعد ، ولو سلّم أن تلك البناية في ولاية عمر بن عبد العزيز للعمارة المتقدمة فهو أتقى لله من أن يهمل قبر نبيه بيد الكفار حتى يغشوا في بنائه بمثل ذلك. وقد ظهر لي في ذلك أن السلف لما بنوا الحجرة الشريفة بالأحجار لقصد الإحكام والبقاء ، وكان ما عدا الأساس منها مبنيا باللبن في عهده صلىاللهعليهوسلم كما يؤخذ مما قدمناه ، فرأوا أن لا يخلو بناؤهم من بركة ذلك اللبن ، فوضعوا منه ما رأوا فيه الصلابة بين الأحجار المبنية بالقصّة ، ولو لا إتقان ذلك البناء لما مكث هذه المدة المديدة ، والعجب أن الخلل والانشقاق لم يحصل إلا في الناحية الخالية منه ، وقد قدمنا أن الذي يظهر أن تلك الناحية سقطت وأعيدت ، واختلاف البناءين شاهد بذلك ، حتى إن الجدار الشرقي لم يكن مبنيا بالحجارة الموجّهة إلا من داخله دون خارجه ، وعرض منقبته أقل من عرض بقية الجدر. ولما بلغوا في هدم الجدار الشامي أرض الحجرة الشريفة شرعوا في تنظيف الردم الساتر للقبور