الذي كانت القوائم مثبتة به ، وما وصفه المؤرخون في أمر المنبر الأصلي شاهد لذلك ، ومعلوم أن الحوض الموجود في باطن تلك الدكة لا يمكن وضع المنبر فيه إلا على الاستقامة ، سيما وقد طابقت سعته ما ذكره ابن جبير في سعة المنبر الأصلي ، وإحكام تلك الدكة بحيث إنهم حفروا منها قرب القامة ، ولم يدركوا آخرها ، وإتقان فرضتي الحوض المذكور بالرصاص ، وترخيم تلك الدكة قديما ، كله قاض بجعل السلف لها من أجل وضع المنبر فيها ، كما صرح به المؤرخون ، ولم يكن السلف مع عظيم إتقانهم يجعلونها لوضع المنبر ويحرفونها عن وضعه ؛ لأن وضعها تابع لوضعه إذ جعلت من أجله ، وقد كان وضعه مشاهدا لهم ؛ لوجود المنبر النبوي بين أظهرهم وإتقانها وما سبق من المتقدمين في ذكر ترخيمها شاهد بعملها في عمارة عمر بن عبد العزيز للمسجد إن لم يكن من زمن معاوية رضياللهعنه عند تحريكه المنبر كما سبق ، ولم أرتب عند مشاهدتها في وضع المنبر بها كذلك ، وتيامن حوضها الذي كان المنبر به يسير جدا لا يخرج صدر المستقبل عن القبلة ، وقد أشار يحيى فيما قدمناه عنه في التنبيه الثالث إلى تصويب وضعه ، وأيضا فقد يكون النبي صلىاللهعليهوسلم وضعه متيامنا لما أوضحناه في الرسالة الموسومة بالنصيحة ، والمنبر جماد ليس بمصل حتى يحرر أمره في الاستقبال ويترك ما وجد من حدوده الأصلية المجمع عليها في الأعصر الماضية المترتب عليها حدود الروضة الشريفة ، فشرعوا في وضع رخام المنبر المذكور على النحو الذي ذكرته ، غير أنهم جعلوا جداره من جهة القبلة على الأحجار التي خلف الحوض من جهة القبلة ؛ لاقتضاء نظرهم ذلك ، ولو كان لي من الأمر شيء ما وافقت عليه.
ثم وقع من بعض ذوي النفوس ما أوضحناه في الرسالة الموسومة (بالنصيحة الواجبة القبول ، في بيان وضع منبر الرسول) صلىاللهعليهوسلم.
والحاصل : أنهم نقضوا ما سبق ، وزادوا خلف أحجار الحوض المذكور نحو ربع ذراع العمل حتى ساوى ذلك محل المنبر المحترق من جهة القبلة ، وحرفوه على تلك الدكة لجهة المغرب أزيد من تحريف المنبر المحترق ، وجعلوا هذا المنبر في محل المحترق من جهة القبلة ومساو لطرفها الشرقي مما يلي القبلة أيضا ، وزعموا أنه لا يعول على كلام من قدمناه من الأئمة ، ويتحرر مما سبق أنه مقدم على محل المنبر الأصلي لجهة القبلة بعشرين قيراطا من ذراع الحديد ، وهو نحو ذراع اليد ، وأن المنبر النبوي لم يقع في محله نغير إلا من تاريخ وضع المنبر المحترق في زماننا لأنه خفي على واضعه ما في جوف الدكة المذكورة ، ولم يدركه أحد من مؤرخي المدينة ، وكان مفرط الطول بحيث كان قاطعا للصف الباقي من الروضة ، وقد اقتدى به واضع هذا المنبر لكونه من آبائه ، ولم يبال ولي الأمر بتفويته المنقبة العظيمة في إعادة وضع منبر الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما كان عليه ، وهذا المنبر ـ أعني الرخام ـ أقصر من امتداد المنبر المحترق في الأرض بنحو ثلاثة أرباع ذراع ، وعدد درجه مع مجلسه كالمحترق ، ومحل عود