عنه ـ يعني دارا له ـ وأمر حفصة وعبد الله ابنيه رضياللهعنهما أن يبيعاها عند وفاته في دين كان عليه ، فإن بلغ ثمنها دينه وإلا فاسألوا فيه بني عدي بن كعب حتى تقضوه ، فباعوها من معاوية بن أبي سفيان رضياللهعنهما ، وكانت تسمى دار القضاء ، قال ابن أبي فديك : فسمعت عمي يقول : إن كانت لتسمى دار قضاء الدين. قال : وكان معاوية اشتراها عند ولايته ، فلم تزل حتى قدم زياد بن عبد الله المدينة سنة ثمان وثلاثين ومائة ، فهدمها وجعلها رحبة للمسجد ، وفتح فيها الباب الذي إلى جنب الخوخة الصغيرة ، وجعل هدمها على أهل السوق ، قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك : فأخذ مني في هدمها أربعة دوانق ، قال ابن أبي فديك : وأخبرني أيضا كما أخبرني عمي عبيد الله بن عمر ابن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال : وأشار لي عبيد الله إلى صندوق في بيته وقال : في هذا الصندوق إبرا آت من ذلك الدين. وروى أيضا عن عبد العزيز بن مروان أن دار القضاء كانت لعبد الرحمن بن عوف ، قال : وهي اليوم رحبة لمسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غربيه مما يلي دار مروان. وروي عن سهلة بنت عاصم أنها إنما سميت دار القضاء لأن عبد الرحمن اعتزل فيها ليالي الشورى حتى قضي الأمر فباعها بنو عبد الرحمن من معاوية ، فصارت بعد في الصوافي ، وكانت الدواوين فيها وبيت المال ، فهدمها أبو العباس أمير المؤمنين وصيّرها رحبة للمسجد ، فهي اليوم كذلك.
وروى ابن زبالة خبر ابن أبي فديك الأول مقتصرا عليه من طريق محمد بن إسماعيل ـ يعني ابن أبي فديك ـ عن ابن عمر أن عمر توفي وترك عليه ثمانية وعشرين ألفا ، فدعا عبد الله وحفصة فقال : إني قد أصبت من مال الله شيئا ، وأنا أحب أن ألقى الله وليس في عنقي منه شيء ، فبيعا فيه حتى تقضياه ، فإن عجز عنه مالي فسلا فيه بني عدي ، فإن بلغ وإلا فلا تعدوا قريشا ، فخرج عبد الله بن عمر إلى معاوية فباع منه دار عمر التي يقال لها دار القضاء ، وباع ماله بالغابة ، فقضى دينه ؛ فكان يقال : «دار قضاء دين عمر» وهي رحبة القضاء.
قال محمد بن إسماعيل : فهدم زياد بن عبيد الله إذ كان واليا لأبي العباس على المدينة في سنة ثمان وثلاثين ومائة دار القضاء ، وكانت تكرى من تجار أهل المدينة ، فهدمها زياد وجعلها رحبة للمسجد ، وفتح الباب الذي إلى جنب الخوخة ـ الخبر المتقدم.
قلت : وما تضمنه هذا الخبر من تاريخ هدم الدار وعمل الباب المذكور فيها ربما يخالف ما ذكره ابن زبالة ويحيى فيما كتبا على أبواب المسجد ، فإنهما قالا : وعلى باب زياد في لوح من ساج مضروب بمسامير مكتوب من خارج ، ثم ذكرا من جملة المكتوب : أمر عبد الله أمير المؤمنين أكرمه الله بعمل مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعمارة هذه الرحبة توسعة لمسجد