أبرز بعد وصوله ستين ألف دينار ليشتري بها أماكن تكون أوقافا يحمل ريعها إلى الحضرة الشريفة ، ويعمل بها سماط كسماط الخليل عليهالسلام ، وهذا أمر لم يسبقه إليه أحد من ملوك الإسلام ، والمسئول من الله تعالى أن ييسر له ذلك.
وقد ألحقنا في الفصل التاسع والعشرين ما برزت به المراسيم الشريفة من إبطال المكوس ، وتعويض أمير المدينة الشريفة عنها ، وأنه وقف أماكن كثيرة يتحصل منها نحو سبعة آلاف وخمسمائة إردب من الحب كل سنة لعمل السماط المذكور ، وليصرف من ذلك كفاية أرباب البيوت بالمدينة الشريفة ، ثم وصول البهائي أبي البقاء بن الجيعان عظم الله شأنه بجملة من ذلك والصرف والتقرير وعمل السماط على الوجه السابق ، والمرجو من الله تعالى دوام ذلك له ؛ فإن الله تعالى قد أجرى على يديه من الخيرات ما لم يجتمع لأحد من الملوك قبله فمن ذلك ما تقدم من العمارة بالمسجد النبوي والحجرة الشريفة ، وإبطال هذا الطابق المتقدم وصفه ، ومن العجب أن من كان بيده هذا الطابق توجه إليه بمصر وسأل أن يمكّن من فتحه ، فلم يجبه لذلك ، وقرر له في الذخيرة بضعة عشر دينارا كل سنة عوضا عما كان يحصل له منه ، ثم وردت المراسيم الشريفة بالإخبار بذلك ، والأمر بسده ، ولكن شق على بعض أهل الحظوظ النفسية تمام هذا الأمر والمتسبب فيه الفقير الحقير ، فتسبب في تأخيره ، فمات شيخ الخدام إينال الإسحاقي ولم يسده ، فلما قدمت مصر عام سبع وثمانين وثمانمائة أنهيت للسلطان أن الطابق لم يسد ، وخشيت أن يغضب بسبب ذلك على بعض الناس ، فاعتذرت بأن موجب التأخير وفاة شيخ الحرم ، فبرزت مراسيمه الشريفة لشيخ الحرم ومتولي العمارة الشمس بن الزمن بسده بالبناء ، بحيث لا يفتح أبدا ، وكان المعاكس في هذا الغرض قد أمال متولي العمارة إليه مع ما سبق في الفصل الثامن والعشرين من إيغار صدره مني ، وكان هذا الطابق قد احترق وارتدم بعد أمر السلطان بسده في حريق سنة ست وثمانين وثمانمائة ، وأثرت النار في قبره تأثيرا عظيما ، فأعاده متولي العمارة وأحكمه ، وجعل له بابا ، فلما وردت عليه المراسيم الشريفة بما سبق على يديّ أجاب بأنه يراجع السلطان في ذلك لأن تلك الدور صارت له.
ثم إن شيخ الحرم أنهى إلى السلطان ذلك ، فبرزت المراسيم الشريفة بسده واللوم على تأخيره مع تكرر الأمر بذلك ، فأمره متولي العمارة بتأخير ذلك ليراجع السلطان فيه ، وقال : إنه يجعل تلك الدور مزارات ليتم له ما أراده من بقاء ذلك الطابق ، وتعجب الناس من إقدامه عليه ، ثم بلغ السلطان ذلك مع أمور يطول شرحها ؛ فغضب غضبا شديدا وبرز مرسومه بسده والوعيد التام على تأخيره ، فسده شيخ الحرم بالبناء المحكم من خارج المسجد ، ونزع باب طابقه ، وردمه بالأتربة حتى ساوى أرض المسجد ، ولم يبق له أثر ، وذلك في رابع