الذين تخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك ، وقال ابن هشام تبعا لابن إسحاق : سببه قضية بني قريظة واستشارتهم إياه ، وأسند يحيى عن عبد الرحمن بن يزيد قصته معهم ، وأنهم قالوا له : أننزل على حكم محمد؟ قال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه ، وهو الذبح. وفي رواية أخرى أنه لما جاءهم قام إليه الرجال ، وأجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم ، فكان منه ما تقدم ، قال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله. قال يحيى في الرواية المتقدمة : فلم يرجع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومضى إلى المسجد ، وارتبط إلى جذع في موضع أسطوانة التوبة ، وأنزل الله عزوجل فيه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال : ٢٧] وفي رواية : فربط نفسه في السارية ، وحلف لا يحل نفسه حتى يحله رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو تنزل توبته ، قال : فجاءت فاطمة رضياللهعنها تحله ، فقال : لا ، حتى يحلني رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال صلىاللهعليهوسلم : إنما فاطمة بضعة مني ، وفي رواية لابن النجار أن أبا لبابة عاهد الله تعالى أن لا يطأ بني قريظة أبدا ، وقال : لا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لما بلغه خبره ـ وكان قد استبطأه ـ «أما لو جاءني لاستغفرت الله له ، فاما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه» فأنزلت توبته ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في بيت أم سلمة ، قالت : فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم من السحر يضحك ، فقلت : مم تضحك أضحك الله سنك؟ قال : تيب على أبي لبابة ، قلت : ألا أبشره بذلك يا رسول الله؟ قال : بلى إن شئت ، فقامت على باب حجرتها قبل أن يضرب عليهن الحجاب فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك ، قال : فثار الناس إليه ليطلقوه ، قال : لا والله حتى يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي يطلقني بيده ، فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.
وروى البيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب قصة أبي لبابة في بني قريظة ، وأنه تخلف في غزوة تبوك ، فلما قفل رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاءه يسلم عليه ، فأعرض عنه ، ففزع أبو لبابة ، فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم سبعا بين يوم وليلة في حر شديد لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة.
وروى مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن أبا لبابة ارتبط إليها بسلسلة ربوض ، والربوض : الثقيلة (١) ، بضع عشرة ليلة ، حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع ، وكاد بصره يذهب ، وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة وإذا أراد أن يذهب لحاجته حتى يفرغ ثم تأتي به فيرده في الرباط كما كان.
__________________
(١) سلسلة ربوض : سلسلة ضخمة ثقيلة ، وفي الحديث : «أنه ارتبط بسلسلة ربوض إلى أن تاب الله عليه».