رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قد سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه ، ورجاله رجال الصحيح ، إلا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره.
قال الحافظ ابن حجر : وهذه الأحاديث تقوي بعضها بعضا ، وكل طريق منها صالحة للاحتجاج ، فضلا عن مجموعها ، وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم ، وأعلّه ببعض من تكلم فيه من رواته ، وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق ، وأعله أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر ، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر.
قال الحافظ ابن حجر : وقد أخطأ في ذلك خطأ شنيعا ؛ فإنه سلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة ، مع أن الجمع بين القصتين ممكن.
وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال : ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي ، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري ـ يعني الذي أخرجه الترمذي ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك ، والمعنى أن باب علي كان إلى جهة المسجد ، ولم يكن لبيته باب غيره ؛ فلذلك لم يؤمر بسده.
ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب ؛ لأن بيته كان في المسجد ، ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين ، ففي الأولى استثنى عليا لما ذكره من كون بابه كان إلى المسجد ولم يكن له غيره ، وفي الأخرى استثنى أبا بكر ، ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي ، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي ، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه ، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها ، فأمروا بعد ذلك بسدها.
فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين المذكورين ؛ وبها جمع بينهما الطحاوي في مشكل الآثار ، والكلاباذي في معاني الأخبار ، وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد ، وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد ، انتهى ما أورده الحافظ بن حجر في ذلك.
قلت : والعبارة تحتاج إلى تنقيح ؛ لأن ما ذكره بقوله «ومحصل الجمع» طريقة أخرى في الجمع غير الطريقة المتقدمة ؛ إذ محصل الطريقة المتقدمة أن البابين بقيا ، وأن المأمورين بالسد