المشرق من الأسطوان الاصق اليوم بالشباك الدائر حول الحجرة الشريفة على ما قدمناه في تحديد المسجد النبوي ، وذلك هو المراد بقوله «من الأسطوان التي دون المربعة إلى المشرق» وقوله «وبقي ثلاث أساطين» أي من الأربعة المذكورة «في السقائف» أي المسقف الشرقي كما هو اليوم ، لكن في رواية يحيى المتقدمة أنه زاد في المشرق ما بين الأسطوان المربعة أي مربعة القبر إلى جدار المسجد يعني الشرقي ؛ فعلى هذا يكون له في المشرق ثلاثة أساطين فقط ؛ فيحتمل أن يكون له في المغرب ثلاث أيضا ، وقوله «وزاد إلى الشام من الأسطوان المربعة التي في القبر ـ إلى آخره» معناه أنه لما أحدث المسقف الشرقي جعل ابتداءه مما يلي رحبة المسجد مربعة القبر ، وجعل في صفها إلى جهة الشام أربع عشر أسطوانا منها عشر في الرحبة وأربع في السقائف التي كانت قبل : أي في المسقف الشامي ، فيكون قد صيّر المسقف الشامي رحبة ، وجعل المسقف الشامي بعد أربع عشر أسطوانا ، فهذا معنى زيادته لهذا العدد.
ويستفاد منه : أن جدار المسجد من جهة الشام في زمنه كان بعد ثمان عشرة أسطوانة ، من مربعة القبر ؛ لأنك إذا ضممت أربع أساطين للسقائف التي أحدثها بدل الأولى إلى الأربع عشرة المذكورة بلغ ذلك ، فيكون محل الجدار المذكور قريبا مما يوازي الأسطوان التي قبل المسقف الشامي بأسطوان فيما يليه من الرحبة ، وذلك موافق لما تقدم من أنه جعل طوله ـ يعني من القبلة إلى الشام ـ مائتي ذراع ، فيتحرر من ذلك أن زيادته من جهة الشام على ما ذكر من الذرع في زمن عثمان رضياللهعنه أربعون ذراعا ، ويحتمل أن يكون معنى قوله «وزاد إلى الشام من الأسطوان المربعة التي في القبر أربع عشرة أسطوانة» أن المسجد ينتهي في جهة الشام في زمنه بعد أربع عشرة أسطوانا من المربعة إلى جهة الشام ؛ فيكون الجدار الشامي في موازاة الأسطوانة الخامسة من طرف الدكاك التي هي المسقف الشامي ، وهناك أسطوان في الصف الأوسط من المسقف الشرقي مربع أسفله قدر الجلسة ؛ فعلى هذا يكون علامة لذلك ، لكنه مخالف لما تقدم من أنه جعل طوله مائتي ذراع ، بل يكون طوله على هذا التقدير نحو مائة وستين ذراعا ، وذلك هو ما تقدم في طوله زمن عثمان رضياللهعنه ، فيكون هذا الاحتمال مردودا ، ولكن سيأتي في زيادة المهدي ما يقتضيه ، والله أعلم.
وروى يحيى عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عمن يثق به من مشايخ البلد أن عمر بن عبد العزيز أمر حين بنى المسجد بأسفل الأساطين فجعل قدر سترة اثنين يصليان إليها وقدر مجلس اثنين يتساندان إليها.
وعن صالح بن كيسان قال : لما جاء كتاب الوليد من دمشق لهدم المسجد سار خمس عشرة ، فجرد في ذلك عمر بن عبد العزيز ، قال صالح : واستعملني على هدمه وبنائه ،