والبلد في حكمهم ، فحبسوا في خباء ، وحبوا شرّ حباء (١) ، وكان فيهم خطيب المدينة (٢) فأمروا جميعا بالكلام مع أهلها ، وأن يعرض عليهم الخروج بقطيعة يقرّرون على بذلها ، فمشوا إلى البلد المحصور ، ووقفوا موقف القصور ، ونادوا من وراء السّور ، وقرعوا للإصاخة (٣) بابا ، وتكلموا وانتظروا جوابا ، واستومرت المدينة قبل الاقتراع فصمتت (٤) وما حصل رضاها ، واقتضيت التمكين من نفسها فمنعت من اقتضاها.
وعاد المذكورون وما سمح لهم بلفظة ، ولقوا من / ٣٧ / النصارى أشدّ غلظة ، وقالوا لهم أنتم لحنتم لأهل البلد بما شجّعهم بعد الجبن ، وقوّاهم في حال الوهن ، وكان حردهم (٥) على الخطيب أشد ، وظنوا أنّه لو أراد لردّ عن
__________________
(١) جناس ناقص بين" خباء وحباء".
(٢) هو أبو مروان عبد الملك بن إبراهيم بن هارون العبدري ، من أهل ميورقة. روى عن أبي عبد الله محمد بن خلف البنيوني ، وأبي عبد الله بن المعز ، وأبي محمد بن حوط الله ، وأبي عبد الله بن غيداء وغيرهم ، وروى عنه جمهور أهل بلده. كان مقرئا مجودا مشاركا في علوم العربية. تصدر لإقراء القرآن وتدريس النحو وخطب بجامع مدينة ميورقة نحو عشرين سنة. استشهد يوم الاثنين ١٤ صفر ٦٢٧ ه حين اجتاح النصارى مدينة ميورقة. ابن الأبار ، التكملة ، ج ٣ ، ص ٨٥. ابن عبد الملك ، الذيل والتكملة ، السفر الخامس / القسم الأول ، ص ١٢.
هذا وتشير ذات المصادر إلى خطيب آخر كان يناوب في الخطبة أبا مروان المذكور ، يتعلق الأمر بأبي الحسن المطرقة علي بن أحمد العبدري ، من أهل ميورقة روى عن ابن حوط الله وابن شعبة والشكاز وغيرهم. رحل حاجا فسمع من جماعة وعاد إلى بلده وأقرأ به القرآن وناوب في خطبة الجمعة أبا مروان الخطيب السالف الذكر. توفي مأسورا في نفس اليوم الذي توفي فيه والي المدينة أبي يحيى التنملي أي بعد خمسة وأربعين يوما من تاريخ سقوط مدينة ميورقة في يد النصارى. ابن الأبار ، نفس المصدر ، ج ٣ ، ص ٢٣٥. ابن عبد الملك ، نفس المصدر ، ص ١٨٣.
(٣) أصاخ له يصيخ إصاخة : استمع وأنصت لصوت. وفي حديث يوم الجمعة : وما من دابة إلا وهي مصيخة أي مصغية ومستمعة منصتة. لسان العرب ، ج ٣ ، ص ٣٥.
(٤) مجاز مرسل لأن المدينة لا تصمت بل أهلها هم الذين يصمتون.
(٥) الحرد : الغيظ والغضب. ورجل حرد وحارد : غضبان. يقال : حرد الرجل إذا اغتاظ فتحرش بالذي غاظه وهمّ به. قال الشاعر : ـ