وإرغاما له. ولكنه صبر صبرا جميلا ولم يحصل منه العدو على ما أراد ومات تحت العذاب. وأما أهل ميورقة الذين نجوا من القتل فأغلبهم وقع في الأسر وبيع في سوق الهوان وفرّ بعضهم إلى جبال الجزيرة والتحقوا بابن شيري. وأترك القارئ الكريم يطّلع بنفسه وبأسلوب المؤلف البليغ المؤثر على تلك المشاهد المفجعة والجرائم البشعة التي اقترفها النصارى في حق مسلمي ميورقة قتلا وأسرا وسبيا وقهرا.
ولم تتوقف المقاومة الإسلامية ضد الغزاة النصارى في الجزيرة بعد سقوط ميورقة العاصمة ، بل تواصلت في الجبال بزعامة القائد أبي حفص عمر بن شيري الذي اتخذ من معقل بلانسة الجبلي في شمال الجزيرة إمارة صغيرة لمواجهة العدو. والتحق به الناجون من مذابح النصارى فبلغ تعداد قواته حوالي ستة عشر ألف مقاتل ، وقام بتنظيم شؤون إمارته وعين الولاة والقادة والقضاة. وكان يشرف على شؤون القضاء في إمارة بلانسة الجبلية القاضي أبو علي عمر بن أحمد العمري الذي قال عنه ابن عبد الملك : " وهو من صرحاء ولد عمر بن الخطاب ، كان حافظا اشتهر باستظهار الموطأ والذكر لمسائل الرأي وسرد أقوال الفقهاء ، واستقضي بالجبل بعد انحياز الفلّ الميورقيين إليه إثر تغلب الروم على ميورقة وأعمالها ، توفي بحصن بلانسة سنة ٦٢٨ ه" (١). كما انضوى إلى هذا الجبل الفقيه أبو العباس أحمد بن المواق الذي كان فقيها حافظا عاقدا للشروط ماهرا في المعرفة (٢).
وتمكن ابن شيري من إلحاق خسائر فادحة في صفوف القوات الصليبية التي كان يباغتها في هجمات ليلية متلاحقة ويعود إلى معقله دون أن
__________________
(١) ابن عبد الملك المراكشي ، المصدر السابق ، ج ٥ ، ص ٤٤٢.
(٢) ابن عبد الملك المراكشي ، المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٣٤٥.