وما زالوا يظهرون عنده على ذلك شبها ، ويغرونه بالقوم ظلما وسفها ، وحرصا إلى أموالهم وشرهًا (١) ، حتى غلبوا صبره ، وأوغروا صدره (٢) ، وقالوا له يوما إنّا وترنا أعظم الترة ، وأصبنا بالمصيبة الظاهرة غير المستترة ، فأقر عيون أعياننا ، وأعطنا أجناد الأندلس لنقتلهم بإخواننا ، فقال ليس هذا من شأني ، ولا آخذ البريء بذنب الجاني ، وكيف أجري هذا المجرى ، والله يقول (" وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ")(٣).
فأعادوا الرغبة حتى أيأسهم ، وأظهر أنّه يكره مجلسهم ، فقاموا عنه غير راضين ، وما زالوا على الإيحاش له ماضين (٤) ، حتى احتجب عن الناس ، وبالغ في الاحتراس ، وأجلس أحد بنيه للأحكام وهو حدث معجب (٥) ، وعذيق لا مرجّب (٦) ، فساءت الأحوال ، وابتدأ الزلزال (٧) ، ورحل الحاضر
__________________
(١) الشّره : أسوأ الحرص ، وهو غلبة الحرص. شره شرها فهو شره وشرهان. ورجل شره : شرهان النفس حريص. ويقال : شره فلان إلى الطعام يشره شرها إذا اشتدّ حرصه عليه. لسان العرب ، ج ١٣ ، ص ٥٠٦.
(٢) كناية عن موصوف لأنّ المقصود هنا قلبه.
(٣) سورة فاطر ، الآية رقم : ١٨.
(٤) جناس ناقص بين" راضين وماضين".
(٥) العجب : الزّهو. ورجل معجب : مزهو بما يكون منه حسنا أو قبيحا ، فهو معجب برأيه وبنفسه.
لسان العرب ، ج ١ ، ص ٥٨٢.
(٦) العذيق تصغير عذق بالفتح ، وهو كل غصن له شعب ، ويطلق على النخلة عند أهل الحجاز. والمرجب من الترجيب وهو أن تدعم النخلة أو الشجرة وتعمد إذا خيف عليها أن تقع لطولها وكثرة حملها. أما بالنسبة للرجل فهو التعظيم. ومن ذلك قول الحباب بن المنذر : " ... أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب". وهذا تصغير يراد به التعظيم والتكبير. وقد صارت كلمة الحباب مثلا يضرب للرجل الذي يستشفى برأيه وعقله. ولكن النص هنا يفيد التعريض والانتقاص من شأن هذا الابن. الميداني ، مجمع الأمثال ج ١ ، ص ٤٥. لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤١٢ ، وج ١٠ ، ص ٢٣٨. ابن هشام ، السيرة النبوية ، ج ٤ ، ص ٣١٠.
(٧) كناية عن بداية التصدّع الدّاخلي للميورقيين.