وفي ختام هذا التقديم الموجز لحياة ابن عميرة يجدر بنا أن نورد بعض الشهادات في حقه ، فهذا معاصره وابن بلده ابن الأبار قد حلّاه بالعبارات التالية : "فائدة هذه المائة والواحد يفي بالفئة ، الذي اعترف بإجادته الجميع ، واتصف بالإبداع فماذا يتصف به البديع ، ومعاذ الله أن أحابيه بالتقديم ، لما له من حق التعليم ، كيف وسبقه الأشهر ، ونطقه الياقوت والجوهر ، تحلت به الصحائف والمهارق ، وما تخلت عنه المغارب والمشارق ، فحسبي أن أجهد في أوصافه ، ثم أشهد بعدم إنصافه ، هذا على تناول الخصوص والعموم لذكره ، وتناول المنثور والمنظوم على شكره" (١).
وهو عند ابن عبد الملك : "علم الكتابة المشهور ، وواحدها الذي عجزت عن ثانيه الدّهور ، ولا سيما في مخاطبة الإخوان ، هنالك استولى على أمد الإحسان ، وله المطولات المنتخبة والقصار المقتضبة ، وكان يملح كلامه نظما ونثرا بالإشارة إلى التاريخ ويودعه إلماعات بالمسائل العلمية منوعة المقصد ... وكان حسن الخلق والخلق ، جميل السعي للناس في أغراضهم ، حسن المشاركة لهم في حوائجهم ، متسرعا إلى بذل مجهوده فيما أمكن من قضائها بنفسه وجاهه" (٢).
أما صاحب الإحاطة فقد قال في حقّه : " وعلى الجملة فذات أبي المطرف فيما ينزع إليه ، ليست من ذوات الأمثال ، فقد كان نسيج وحده إدراكا وتفننا ، بصيرا بالعلوم ، محدثا مكثرا ، راوية ثبتا ، سجرا في التاريخ والأخبار ، ديّانا مضطلعا بالأصلين ، قائما على العربية واللغة ، كلامه كثير الحلاوة والطلاوة ، جمّ العيون غزير المعاني والمحاسن ، وافد أرواح المعاني ، شفاف
__________________
(١) المقري أبو العباس أحمد ، نفح الطيب ، تحقيق إحسان عباس. بيروت : دار صادر ، ١٩٦٨ ، ج ١ ، ص ٣١٥.
(٢) ابن عبد الملك المراكشي ، المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٥٢ وص ١٧٩.