بالحيرة (١) ، ولقد ذكرنا أن بيت المال كان ضمن هذا القصر. ثم طرأت سرقة هذا البيت ، فتقرر هدم المسجد وجعله قريبا من القصر ومحاذيا له (٢) ، فأعيد بناء المسجد والقصر مرّة أخرى انطلاقا من بقايا قصر ساساني بالحيرة (٣). يورد سيف ذلك وكأنه يذكره للمرة الأولى (٤).
الواقع أن المسجد الحالي ملاصق لميمنة القصر في اتجاه القبلة ، بالصورة التي بيّنها سيف ، كما بقيت آثار نفق من العصر الأموي ، إلا أن الوصل قد تم في المستوى الأموي المتأخر ، بالسور الخارجي للقصر ، ويمتد ضلعه على أكثر من ١٦٨ مترا (٥). ومن المفارقة أن الآثار الوحيدة التي تبقت من المستوى الأول للحفريات توجد من جهة المسجد ، لكن في الحوزة الداخلية التي كانت تحدد محيطا ضلعه ١١٤ مترا (٦) ، أي بتراجع يقدر ب ٣٠ مترا ، بالنسبة إلى حائط المسجد. ليس من شك في أن القصر الأصلي المشيد لم يكن يتجاوز الحزام الداخلي (٧). وبما أن الزوايا الأموية الملاصقة للمسجد ما زالت قائمة ، فمن المرجح أن حدود المسجد الحالي ، الذي تأخر بناء جدرانه ، تعود إلى العصر الأموي ، مع أنها تتراجع قليلا إلى الداخل بما قدره ٣ أمتار و ٦٠ سم. ولا تتوفر لدينا أية معلومات عن اتساع القصر على حساب المسجد ، بل بالعكس! لقد بني المسجد لاستقبال ٠٠٠ ، ٤٠ شخص في ولاية سعد ، وجرى توسيعه في إمارة زياد ، بحيث صار يحوي ٠٠٠ ، ٦٠ شخص (٨). ولإنقاذ رواية سيف ، يكمن الحل الوحيد في التفكير في اتساع القصر بين السورين وعلى حساب المسجد الذي امتد في اتجاه الشمال ، فعاد بذلك إلى موقعه السابق. وفي هذا المعنى ، هناك مؤشرات قليلة وكثيرة الغموض. لكن ألا يقرب من المعقول أن نفكر بخصوص ما يقوله سيف ، في عملية إعادة بناء ذهنية تمت في وقت لا حق؟ كانت مواد الحيرة موجودة فعلا ، لكن النمط المعروف بالنمط الحيري ينتمي إلى الطبقة الأثرية الشائعة في العصر العباسي
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٢) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٦. انظر الخرائط. ا
(٣) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٦. كايتاني يمرّ مرّ الكرام على هذه المراحل المتنوعة :.Annali ,III ,٢ ,p.٨٥٨. ولم يحتفظ إلّا بفكرة «الدار» كنواة للقصر العتيد المبني انطلاقا من آثار الحيرة. وقد شكك ريتميير بأقوال سيف :. Reitmeyer, op. cit., p. ٤٣
(٤) متناسيا أنه تحدث عن قصر سعد في اللحظة الأولى مما جعله يناقض نفسه.
(٥) الشكل الأول من دراسة محمد علي مصطفى وص ٣٨ ؛ الجنابي ص ١٣٨ ـ ١٣٩ ، وشكل ١٤.
(٦) بالضبط ٩٥ ، ١١٣ مترا من الشرق إلى الغرب و ٨٦ ، ١١٣ مترا من الشمال إلى الجنوب. انظر : محمد علي مصطفى ، ص ٦٠.
(٧) راجع تصميم الجنابي الذي نقل بالضبط تصميم محمد علي مصطفى.
(٨) ياقوت ، معجم البلدان ، ج ٤ ص ٤٩١.