الأول (١) ، الذي هو عصر سيف بالذات ، كما أن وجود الدهليز في واقع الأمر أمكن إسقاطه في الفترة الأولية. ويرجح كثيرا أن نقل المسجد لم يكن بعيدا من القصر ، عندما أعيد بناؤه ، ولكنه لم يتلاصق الجهازان المتقاربان إلا في العصر الأموي المتأخر ، وذلك بزيادة السور الخارجي للقصر ، وهذا ما يفسر وجود الدهليز الذي كان يمر منه الوالي (٢) ، وهذا أيضا إسقاط يرد إلى الماضي.
وتتفق النصوص الكتابية وعلم الآثار على تحديد موقع البنايتين وعلى أبعادهما الإجمالية (٣) ومحيطهما القريب (السوق والرحبة). ويتفق سيف والبلاذري على القول إنه ترتب عن المحاولات المترددة في العصر الأولي ، عمل منقوص تمثل في مسجد بدون أروقة ، وقاعة صلاة بسيطة للغاية (كانت مبنية إما بالقصب وإما باللبن). ولا يقل القصر بساطة عنها ، إذ بني بهذه المواد ذاتها. ولعل الاقتباسات المستمدة من قصور الحيرة القديمة قد أضيفت مع باب خشبي كبير. وما تبقى من الأسس السابقة للعصر الأموي يطرح مشكلة حقيقية : هل كان ذلك في عصر زياد أم في عصر سعد؟ لكنّ الإطار كان مسطّرا ، وكانت الفكرة واضحة ، فهي تتمثل في توأمة ممتازة بين المعبد والقصر ، وسط مساحة عمومية كبرى ما زالت منيعة عن البناءات الخاصة.
الرحبة والسوق والآري :
هناك ثلاثة عناصر أخرى تشكل المساحة المركزية. أولا الرحبة ، وهي كلمة بقيت شائعة في لغة المدينة العربية المعاصرة (٤) ، توحي بالاتساع ، والمكان الخالي ما عدا بعض المناسبات ، في المجال المدني. وهي ملاصقة هنا للقصر والمسجد من جهة اليمين ، في اتجاه القبلة (تقع في رسمنا يسارا). وقد بين سيف ذلك قائلا : «ووضع المسجد بحيال بيوت الأموال منه إلى منتهى القصر يمنة على القبلة ثم مدّ به
__________________
(١) محمد علي مصطفى ، مرجع مذكور ، ص ٥٨.
(٢) الجنابي ، ص ١٤١.
(٣) بخصوص المسجد : سيف برواية الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥ ، قدر طول الظلّة ب ٢٠٠ ذراع أي ما يزيد قليلا عن ١٠٨ أمتار. وهذا قياس لا علاقة له برمية السهم. لكنه مطابق لما توصلت إليه التنقيبات الأثرية من نتائج : ١١٠ أمتار لحائط القبلة ، و ١٠٩ م لحائط الشمال ، و ١١٦ م لحائطي الشرق والغرب. راجع في هذا الخصوص : وثائق مديرية الآثار ، بغداد ، ص ١٠. الذّراع هنا لا يمكن إلّا أن تكون الذراع السوداء المقدرة ب ٤٥ سم :.Hinz ,op.cit.,p.١٦.
(٤) قارن برحبة الغنم في تونس. وقد لاحظ البراقي أن في المدن العربية فسحات تسمّى صفوة ، أو صفاوة ، أو مناخة : التاريخ ، ص ١٢٠.