القول يوحي بوقوعه في المساحة المركزية. الآري عبارة عن مرعى عمومي ، بمعنى أن الدولة تملكه وتشرف عليه ، وهو مخصص لخيل الجيش التي هي ملك للدولة لا محالة. وقد روى أنه توفرت ٤٠٠٠ فرس في خلافة عمر (هل كان بيت المال هو الذي وفرها؟) تأهبا لقتال محتمل. «كان يشتّيها في قبلة قصر الكوفة وميسرته ، ومن أجل ذلك يسمّي ذلك المكان الآري إلى اليوم ، ويربّعها فيما بين الفرات والأبيات من الكوفة ممّا يلي العاقول فسمّته الأعاجم آخر الشاهجان يعنون معلف الأمراء» (١).
كان منتجع الكلأ هذا يمتد على بضعة كيلومترات كانت تفصل بين عالمين ، وكانت الكوفة تقع على الوصلة الرابطة بينهما ، هما عالم البر ، المتجه إلى الجنوب والغرب وكان عالما شبه صحراوي ، وعالم الرّيف القريب من الفرات والمتجه شرقا وشمالا. ولا بد أن العاقول كان يقع شمالي الكوفة ، من جهة الفرات ، وخارج محيط المدينة. لكن أين الآري أو مرعى الشتاء؟ يصعب علينا تصور حشر ٤٠٠٠ فرس في الزاوية الجنوبية الشرقية للمساحة العمومية ، داخل حيّز محدود جدا ترتفع مساحته إلى بضع مئات من الأمتار المربعة. وبمقارنته بالعاقول ، نميل في أوّل وهلة إلى نقله إلى الجنوب الغربي مما يلي دور السكن ، حيث أن المساحة المركزية أحيطت بخطط القبائل من كل جانب ، في اتجاه البادية المترامية حيث ترعى النوق التي شغلت اهتمام عمر كثيرا ، ونحن ما زلنا نشاهدها إلى اليوم. لكن أسبابا متعددة تدفعنا إلى اعتقاد خلاف ذلك : علما أن موضعا محدودا كان سببا في ظهور اسم مكان ، وكان ملاصقا للقصر ، ولم يجاور دور الكوفة مثل العاقول ـ الذي كان هو أيضا يمتد على مجال ضيق يحده الفرات ـ ويرجح اليعقوبي بالخصوص رأينا الأخير حول هذه النقطة بجملة أوضح ما تكون حيث يقول :
«وكان فضاء عند المسجد» (٢).
ثم يضيف :
«وهو فضاء كانت فيه خيل المسلمين» (٣).
وإذا ما صدقنا اليعقوبي ، فيبدو أن عمر أقطع نصفه إلى أبي موسى الأشعري والنصف الثاني إلى جماعة من عبس (٤). وهذا يعني أن الآري لم يستخدم لفائدة الخيل إلا خلال
__________________
(١) الطبري ، التاريخ ، ج ٤ ، ص ٥٢.
(٢) كتاب البلدان ، ص ٣١٠.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٣١٠.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٣١٠. المراد بالذات عشيرة حذيفة بن اليمان.