السنوات الأولى من تأسيس الكوفة حيث شاع عدم الاستقرار ، وحيث صمم كل شيء بالنظر للعمليات العسكرية في العراق والشام ، فلم يذكر الطبري الآري إلّا عندما تعرض للنجدات التي وجهها أهل الكوفة إلى حمص (١). وما هو ذو دلالة أيضا أن اليعقوبي رتب إقطاع الآري هذا بين جملة من الإقطاعات الأخرى التي وهبها عمر لكبار الصحابة ، وهي إقطاعات صالحة لبناء دور تقع داخل المساحة المركزية (٢). في الإمكان أن يدور النقاش حول واقعها التاريخي ، وفيما يخصني لا أعتقد أنه كان صحيحا ، نظرا لأن فكرة القطيعة تبدو استثنائية في خلافة عمر ، في حين أن اليعقوبي يتحدث عنها وكأنها ظاهرة عادية متصلة بالخطط القبلية ذاتها. ومن الواضح أيضا أن كل ما ينسبه اليعقوبي أو يكاد في هذا الميدان ، إلى المبادرة الشخصية وما يشبه الملكية عند عمر ، كان نتيجة لتطور طويل ظهر بعد ذلك. لكن الأهمية المتعلّقة بتحديد مكان الآري ضمن المساحة العمومية تكمن في كونه يرتبه عن خطأ أم لا ، ضمن مجموعة الإقطاعات التي تمت بدون استثناء في المساحة المركزية أو في المدينة. وبذلك يكون الآري في الصحن تماما ، بمكان ما جنوب القصر والمسجد (٣) ، يقع حسب المرجح في زاويتين بالجنوب الغربي والجنوب الشرقي ، وهو مقسوم إلى نصفين. على أنّه من الصعب أن نعرّف وظيفة الآري بأنّه مرعى مفتوح ، بل الأولى أن يكون مكانا لتجميع الخيل. الواقع أن سيفا لم يستخدم كلمة رعى بل استعمل (يشتّيها) لكي يكون دقيقا (٤) ، وقابلها بخصوص العاقول بكلمة «يربّعها». إنّ المعجم العربي مرتبط بنمط الحياة الرعوية ، فتمادى في واقع مغاير ، هو واقع الفضاء الضيق الثابت الموظف إلى أقصى حد. وبذلك يشكل الآري حظيرة للخيل تقع في المساحة المركزية كعنصر للتنظيم العسكري المدرج في المجال إدراجا تاما دقيقا (٥).
دلالة المركز :
قلنا إن الحركة الرمزية التي سطرت حدود المساحة المركزية لم تكن تتصف بشيء من القداسة ، بل بشيء عريق في القدم. وهي التي دحرت إلى ما وراء الصحن الحياة الدّنيوية
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٥٠ ـ ٥١.
(٢) كتاب البلدان ، ص ٣١٠ ـ ٣١١.
(٣) هذا ما يمكن استنتاجه من التحديد اللاحق لدار أبي موسى الأشعري (إلى الجنوب الشرقي) ، ومسجد بني مخزوم من قبيلة عبس : الطبري ، ج ٦ ، ص ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٥٢.
(٥) كلمة آري مأخوذة عن الفارسية آريات التي تعني «الحبل الطويل الذي يربط الماشية على خطّ واحد. راجع :. Desmaisons, Dictionnaire Persan ـ franc ? ais, Paris, ٨٠٩١, I, p. ٠٦. ومن الواضح أن المقصود هنا هو الفسحة المسيّجة حيث تجمّع الخيل. وقد بقي اللّفظ في اللهجات المغربية ليعني الاصطبل.