العنصر الأساسي ، والعمود الفقري لنسق الخطط ، يمكن بفضله تحديدها وتعريفها ، وأيضا بصفتها الصلة المثلى للاتصال بين الصحن والخطط ، والمركز المشترك حيث تهيؤ الحياة الاجتماعية العربية الاسلامية الجديدة وخطط الوجود القبلي القديم ، وحتى الوجود العشائري.
كانت الشوارع الواسعة المستقيمة تنطلق من المركز المربع نفسه ، وهو الذي يحوي ذاته مربعين هما المسجد والقصر. ونحن نميل إلى الاعتقاد أن شكل المدينة كلها كان مربعا ، على شاكلة بابل (١) ، مع الفارق أننا إزاء مدينة مفتوحة وبدون سور عن قصد ، ولا نعرف شيئا عن نهاية المناهج مع أننا نعرف بدايتها. وقد أسقط ماسينيون على مخططه شكلا دائريا أحيط بخندق دفاعي. وإذا ما كان هذا الشكل موجودا أبدا ، فلا يمكن أن يكون قد أقيم إلا في وقت متأخر ، لما تدخل المنصور وأمر بتشييد السور وحفر الخندق ، فضلا عن أنه بعث النموذج الساساني الدائري.
الواقع أننا نتقدم في البحث بواسطة اللمسات والانطباعات وإقامة ما نزعم على الاحتمالات ، ولن يكون ذلك على أساس اليقين أبدا. هكذا ندرك أن التماثل ليس كاملا في تصور سيف. لماذا توجد خمس فتحات في الشمال ، وأربع في الجنوب ، وثلاث في الشرق ، وكذلك في الغرب؟ وهل أن المسافة نفسها تفصل نقاط انطلاق المناهج؟ وإذا حددنا خطة إحدى القبائل بكونها تقع بين طريقين ، فستظهر إلى الشمال مجالات ضيقة مستطيلة ، وخطط واسعة عريضة شرقا وغربا. لكن بجيلة وهمدان موجودتان في «الشمال» بالودعة ، كما أن دور وطلبات بجيلة (٢) معروفة ، وقد ذكر اليعقوبي أن بجيلة كانت تستغل اقتطاعا مهمّا (٣) ، جعلت منه كل روايات أبي مخنف النقطة المرجع بالنسبة للمنطقة الشمالية (٤). قلنا المنطقة الشمالية؟ هل نحن على يقين من ذلك؟ إن مشكل الوجهة مطروح حيث ينبغي أن تكون القبلة هي المرجع ، علما أنها تتجه إلى الجنوب الغربي ، لكن هذا الاتجاه لم يحسب حسابا صحيحا (يقدر انحرافها ب ١٧ درجة). إن المسافر الذي يعبر اليوم الفرع الغربي للفرات ،
__________________
(١) هذا على الأقل ما قاله هيرودوتس : «كانت مدينة مربّعة الشكل ، تعد مائة وعشرين غلوة من كل وجه» ، وقد أورده ممفورد ، L.Mumford ,op.cit.,p.٣٠١ ؛ أما أوبنهايم Oppenheim ,op.cit.,p.٦٤١ فهو يميل إلى شكل المعين ؛ وتصرّح مرغريت روتن أن كل المؤلفين اتفقوا على أن شكل المدينة كان مربع الزواياM.Rutten ,.Babylone ,p.٤٣
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٥٣.
(٣) كتاب البلدان ، ص ٣١٠.
(٤) الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٦ ـ ٤٨.