يحتمل أن ذلك كان على سبيل الهبة الاستثنائية لبعض الصحابة. وقد تضارب في القول بهذا الخصوص البلاذري واليعقوبي عندما ذكرا قائمة الدور.
يقول البلاذري : «وبنى فيها عمرو بن حريث المخزومي بناء ، وكان زياد يستخلفه على الكوفة إذا شخص إلى البصرة ثم بنى العمال فيها فضيقوا رحابها وأفنيتها» (١). كان المقصود بالذات الكوفة عامة لا المركز بصورة خاصة ، ويظهر أن الأمر لم يكن يعدو تمليك الأراضي العراء بصفة متفرقة ، وفارق الطرق والرحاب ـ الكثيرة كما هو معلوم ـ التي كانت توسع المجموعة السكنية. الواقع أن قول البلاذري يكتسي مدلولا آخر بمقارنته وتعليقه بما ورد في كتب أخرى ، سواء كانت روايات أبي مخنف (٢) أم قائمة اليعقوبي ، وهو يفيد في فهم البقية.
توجد دار عمرو بن حريث فعلا في الوسط تماما (٣) ، غير بعيدة عن القصر ، ومن المرجح أنها كانت تقع في الرحبة. كان ابن حريث من أكبر أغنياء الكوفة ، وكان قرشيا مقربا من السلطة ، وكان بالفعل يساعد زيادا ثم ابنه عبيد الله فليس مستبعدا أن يصير قدوة بخصوص البناء في المركز. لكن ما ينبغي التدليل عليه أنه كان أول من فعل ذلك ، وأن الوليد بن عقبة الذي كان واليا في خلافة عثمان ، لم ينتزع هذا الامتياز قبله ، فضلا عن أن الدور التي روى أنها كانت تقع في المركز العمومي ، قرب المسجد والقصر ، أو في الرحبة والأسواق ، كانت مملوكة لصفوة المسلمين بالمعنى الواسع أكثر مما كانت للعمال أنفسهم.
وبذلك نجد اليعقوبي يتحدث عن دار عبد الله بن مسعود وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن حريث «حول المسجد» ، وغير بعيد عنه توجد دار سلمان بن ربيعة الباهلي والمسيب بن نجبة وهو أحد قادة حركة التوابين (٤). ويبدو أن خالد بن عرفطة أحد حلفاء سعد بن أبي وقاص وقد كان من كبار القادة في فتح العراق كان يملك مع سعد نفسه دارا في هذا المركز (٥). هذه عودة إلى الماضي. لكن روي أن دار المختار بن أبي عبيد كانت أيضا ملاصقة لحائط المسجد (٦). ويمكن التساؤل بخصوص دار الأشعث بن قيس ، لكن الثابت
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦.
(٢) انظر لاحقا.
(٣) الطبري ، ج ٦ ، ص ١٩ يروى عن أبي مخنف أنها تقع في «وسط السوق» لا في الرحبة.
(٤) كتاب البلدان ، ص ٣١٠ ؛ بخصوص المسيب بن نجبة ، راجع الطبري ، ج ٥ ، ص ٥٥٢ و ٥٥٣ و ٥٦٢ و ٥٨٤ و ٥٩٠ و ٥٩٣ و ٥٩٤ و ٥٩٦ و ٦٠٠.
(٥) كتاب البلدان ، ص ٣١٠ ؛ وأنساب الأشراف ج ٥ ، ص ٢٣٧ ـ ٢٧٦. والطبري ، ج ٦ ، ص ٤٧ و ٦١ وج ٧ ، ص ٤١٧ : ذكر دار عمر بن سعد ، التي لا بد أنها ورثت عن سعد.
(٦) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٦٩ ؛ ولا سيما معجم البلدان الذي ذكر الأمر بوضوح ، ج ٤ ، ص ٤٩٣.