زياد (١) وبذلك فمن المفروض أنها استبعدت المحاكاة وأرادت القطيعة والانفصال ، مما أدى إلى إقامة قلعة عظيمة تمثلت في القصر وضخامته. وتبدو المفارقة في كون هذه السلطة المترفعة المتكبرة قد تسببت بمحاكاة معينة وشجعتها بشرط احترام ناموسها. فتكاثرت بذلك القصور في محيط الكوفة (قصر مقاتل مثلا) (٢) ، كما تكاثرت دور الأشراف في قلب الكوفة. والمعتقد أن فن العمارة الذي ظهر داخل قصر زياد أثر على تصميم الدور ، لأن القصر باستثناء قاعات الاستقبال التي كانت تتوسطه والإيوانات والقباب والأبهاء ، التي تؤكد قوة الحكم بالذات ووظيفته ، كان يتركب مما أقيم بأجنحته من دور قسمت إلى حجرات (٣). ورأيي أن دور الكوفة اقتبست بناءها من دور القصر.
البنايات الخاصة تضيّق على المركز
ورد خبر جلي عند سيف بن عمر ضمن تاريخ الطبري ، مفاده كما نعلم أن المساحة المركزية التي حددها الخندق كان البناء فيها ممنوعا أثناء خلافة عمر (٤). فلم تتضمن إلا المسجد والقصر المحاطين بساحة واسعة ـ هي الرحبة ـ وموضع الأسواق وما يشبه الاصطبلات في الهواء الطلق ـ الآري ـ وكان هذا المجال شاسعا يغطي ما يناهز ٢٣ هكتارا (٥) لكن لم يلبث أن اكتسحته القطائع الخاصة والخطط الفردية. فمنذ متى حصل ذلك؟ من عهد الخليفة عثمان (٦) الذي أفاض في إقطاع بعض الصحابة القطائع العقارية وأيضا بعض رؤساء القبائل التقليديين (طلحة والأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي ، الخ ...) ، في قلب السواد أم منذ بداية ولاية زياد؟ من المعروف أن الوليد بن عقبة والي الكوفة في خلافة عثمان ، كان يملك دارا تقع في وسط السوق (٧) ، كانت بمثابة العلامة الأساسية في طوبوغرافيا الكوفة. وقد ذهب الأمر باليعقوبي إلى أن عزا لعمر توزيع الدور على أهم الصحابة (٨) ، ولا يمكن قبول هذا القول على أنه ظاهرة عامة شاملة. على أنه
__________________
(١) الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٨١ ، بخصوص تكاثر القصور ، في إقليم الكوفة ، وراجع صالح العلي ، «منطقة الحيرة ...» ، مقال مذكور ، ولا سيما الخارطة.
(٣) M.A.Mustafa ,Art.cit.,p.٤٤.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٥) انظر ما سبق.
(٦) فتوح البلدان ، ص ٢٧٣ ، يجزم البلاذري بأن عثمان هو أول من شرع في إعطاء القطائع العقارية الفردية.
(٧) ابن سعد ، الطبقات ، ص ٢١ ؛ اليعقوبي ، كتاب البلدان ، ص ٣١١ ؛ الطبري ، ج ٤ ، ص ٥٣٢ ، وج ٦ ، ص ٨٩.
(٨) كتاب البلدان ، ص ٣١٠.