الطوابق وركبوا النوافذ على هيئة شبابيك (١). ولا تتوافر لدينا معلومات صريحة بهذا الخصوص إلا ما روي عن عمر ، بطريق غير مباشر ... وقد كانت رغبته ألا يقوم سكان الكوفة بالمبالغة في رفع دورهم وألا يتجاوزوا ثلاث حجرات في كل دار. ويعني ذلك أن الأمر كان معمولا به فعلا ، لكن في وقت لاحق كما هو واضح. ونجد في أقوال ياقوت ما ينير لنا السبيل حيث قال : «فلما كان في أيام المغيرة بن شعبة بنت القبائل باللبن من غير ارتفاع ولم يكن لهم غرف» (٢). ثم تحدث بعد ذلك مباشرة عن بناء الأبواب من آجر في ولاية زيادة.
ويفيد ذلك أن الدور كانت من لبن في عصر زياد (٣) باستثناء أسكفات الأبواب. ويعني ذلك أيضا أنه تمّ الشروع في رفع البناءات في وقت ما ، وتقسيم الدور إلى حجرات (تجاوز عددها ثلاث غرف في دور الأغنياء). أما بخصوص الآجر ، فلا مجال للقول إن دور الأشراف أدخلت استخدام الآجر على كامل البناية حيث كان الآجر يستخدم حتى ذلك الحين كعنصر لزخرفة الواجهة. ولا يمكن الجزم في هذا الشأن وفي هذه النقطة بالذات ، بل خلافا لذلك ، تضافرت كل القرائن على جعل التفكير يتجه إلى القول إن اللبن كان مستخدما في أكثر الدور خلال العصر الأموي ، لأنه كان أمتن مما يظن وقادرا تماما على تحمل الدور الجميلة المرتفعة ، كما تشهد بذلك دور اليمن في الزمن المعاصر.
وقد اتجهت كل هذه التغييرات في اتجاه تمدّن أكثر أصالة ، كان يتمثل في البحث عن المتانة والجمالية والطموح إلى الطابع المعماري بحيث يرتفع المسكن عن الأرض ، وإلى بناء المجال الداخلي ، علما أن هذه التحويرات لم تبدأ بالحراك إلا عند شروع زياد في تنفيذ مرحلة جديدة. وقد أصر زياد على طموحه المعماري الذي لم يخضع للشاغل السياسي وحسب ، بل لإرادة العظمة والبحث عن مظهر جمالي ينمّ عن اتجاه اختيار شخصي جدا ، وعن مصير حضاري (٤). ولا شك أن ما سنه قد سرى داخل الكوفة ، ولعله أوحى شخصيا بمبادرات من هذا القبيل. كانت السلطة في عصر عمر وسعد قد خططت تصميم المدينة وأمسكت بزمامه ، لكنها بقيت قريبة من أمة الفاتحين. وخلافا لذلك ، فقد أكدت تعاليها في ولاية
__________________
(١) أنساب الأشراف. ج ٥ ، ص ٢٢٦ ـ ٢٢٨.
(٢) معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩١.
(٣) ذكر الطبري ذلك صراحة : ج ٦ ، ص ٦٦ ، في عصر المختار ، ومن باب أولى في ولاية زياد ، فقد أمر المختار بهدم دار محمد بن الأشعث وبنى «بلبنها وطينها» دار حجر بن عدي.
(٤) أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ٢٠٢ وما بعدها ، بخصوص النظام الصارم في الحياة اليومية والسياسية الذي سنه زياد في البصرة والكوفة دون شك ، وانشغاله بنظافة المدينة ، وتنظيمها الجيد الذي دفعت ثمنه حكما مطلقا راسخا.