الطموح المعماري والجمالي
كان هذا الطموح موجودا منذ البداية حين افتتن العرب بفخامة المدائن. لكن الحسرة انتابتهم لما غادروها ، لأنها كانت غريبة عن عالمهم ، وقد نقلوا معهم «مصاريع الأبواب» (١) زيادة عن جملة من التصورات ، وتكرر ذكر «الأبواب» كثيرا. ولما شيد سعد قصره المتواضع من قصب أو لبن وهو أمر كثير الترجيح ركب له بابا ضخما من خشب ـ لعله هو أيضا منقول (٢). فبدا الباب رمزا من رموز عظمة الحكم الجديد ، وانفعل لذلك عمر ووجه رسولا لحرق هذا الباب (٣). وقد روي أنه عبّر عن امتعاضه قائلا (٤) : «ليس بقصرك ولكنه قصر الخبال». كان عمر يبذل قصارى جهده للحفاظ على البساطة الأولى ، وروح الأصالة الكامنة في الأمة وهويتها الثقافية. هذا ولا يمكن القول إن العرب لم يستجيبوا لهذا الطلب أو أنهم افتتنوا بسهولة بهذه الحضارة المادية الرفيعة. كان نقل الأبواب واحتمال حرق باب القصر بالكوفة ، عبارة عن مواقف مؤثرة لو كانت حقيقية. الذي يهمنا هنا أنها تستند إلى الرمزية الشرقية الصرف الموجودة في الباب. وهناك شواهد على نقل الأبواب وأسكفاتها من مدينة إلى أخرى في العصر الساساني ، كما توجد شواهد أخرى على أن هناك أسكافات أبواب من آجر كانت تشكل واجهات لمعالم مبنية من لبن ، وهو أمر خاص بالحضارة الشرقية الفارسية (٥).
فماذا كان موقف سكان الكوفة بعد أن أدخل زياد الآجر في بناء المسجد والقصر؟ «بنوا أبواب الآجر فلم يكن بالكوفة أكثر أبواب الآجر من مراد والخزرج» (٦). لا يمكن فهم هذه الإشارة دون اعتماد كامل خلفية الحضارة الفارسية البابلية التي ذكرنا. وهي تعني أيضا دخول الآجر إلى البناءات الخاصة منذ ولاية زياد ـ ولا شك أن الآجر بدأ يظهر في دور الطبقة الأرستقراطية أول الأمر ـ لكن بخصوص أسكفات الأبواب وحسب. أما خلف ذلك ، فقد استمر القوم في بناء منازلهم باللبن (٧). وهكذا وقع تخطي المرحلة الأولى ، والمفروض أن الأغنياء ما لبثوا أن أعادوا بناء دورهم بالآجر ، وزخرفوها بالملاط ، وأضافوا
__________________
(١).Streck ,art.» Mada in «,E.I. / ١. لعل هذا المؤلف يشير إلى واسط فحسب.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٧٧.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٢٧٧.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٧.
(٥). Ghirshman, L\'Iran des origines a ? l\'Islam, pp. ٤٦١ ـ ٥٦١ لقصر داريوس في برسيبوليس (اصطخر) جدران من لبن «لكن أبوابه ونوافذه كانت منحوتة كتلا كاملة من حجر».
(٦) معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩١.
(٧) فتوح البلدان ، ص ٢٨١.