خاصة بها (١). كان عدد القبائل والعشائر مهما في الكوفة منذ البداية : من هنا تنافر الكيان القبلي ، الذي تضخم بتدفق الروادف المهاجرين بصورة مستمرة (٢) ، فأصبحت الكوفة لذلك إسقاطا ، على مجال صغير ، لبلاد العرب قاطبة. فضلا عن وجود البنية الموروثة عن جيش القادسية وربما السرعة الكبيرة التي بها تم الاستقرار الأول ، وبذلك تشعبت القضية.
كان جيش القادسية مقسما أعشارا بالفعل (٣) ، بمعنى أنه تجمّع في عشر وحدات ويرجح أنه اقتبس تنظيمه ذاك من النسق الفارسي الذي اعتمد الفرق العشرية أي عشرة ومائة وألف. كانت تلك الوحدات تشمل عددا متساويا من المقاتلين في كل وحدة ، فكانت وحدات للتجنيد قبل كل شيء حافظت على الكيانات القبلية. وبما أن أعداد الحشود كانت غير متساوية (٤٠٠٠ من تميم ورباب و ٣٠٠٠ من أسد و ١٣٠٠ فقط من الازد وبضع مئات من ثقيف) ، فقد وجب التجميع بصفة منسجمة بحيث لا ينال القبائل أي تشتت. إذا كانت الجماعة القبلية كافية في حد ذاتها ، كان يمكن تشكيل العشر وجلب الحشود إليه من ذوي القربى. ولا شك أن نسق الأعشار كان الأساس في أنساق التجمعات التالية. فهل تدخل هذه الظاهرة ضمن ما رواه سيف عن الاستقرار الأول؟ توزّعت الخطط حسب الجهات الأربع حيث تلاحظ مطابقة الخطة لقبيلة وحيدة في أكثر الأحوال وكان يتجمع حول القبيلة المهيمنة الأخلاط (٤) وهي عشائر من قبائل مختلفة ، وتوجد أخيرا حالات نادرة بحيث يستقر ثنائي قبلي (بجلة وبجالة ، الأنصار ومزينة ، تميم ومحارب) (٥). ويقول المؤلف بصراحة (٦) : «وجعل هذه الطرقات من وراء الصحن ونزل فيها الأعشار من أهل الأيام والقوادس». ماذا يقصد بقوله هذا سوى أن الجماعات المقيمة بالخطط كانت تطابق الأعشار ، وأنه يمكن التأكيد في هذه المرحلة الأولية على تطابق المبدأين؟ بل نجدها الفترة الوحيدة التي تطابقت فيها بصورة مجملة الخطة والقبيلة والإطار العسكري الإداري الذي كان يجسمه العشر ، وسوف تؤثر نهائيا على مظهر الكوفة. فلا الأسباع الوريثة للأعشار ولا أرباع زياد غيّرت أصلا مواقع القبائل كما تمّ تحديدها ، بمعنى تغيير تنظيم المجال بالكوفة.
__________________
(١) كتاب البلدان ، ص ٣١١.
(٢). الطبري ، ج ٣ ، ص ٦١٤ ، وج ٤ ص ٤٥.
(٣) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٨٨ لا يمكن أن يكون ذلك متطابقا مع فرق العشرة جنود الرومانية كما ذكر كايتاني. ويقول ابن حبيش ، كتاب الغزوات ، ورقة ٢١٦. إن أمراء الأعشار يأتون في المرتبة الثانية بعد أمراء التعبئة وقبل أمراء الرايات ورؤساء القبائل. وكل النسق يأتي ضد فكرة أن الأعشار هي عشر عرافات أي مائة رجل كما يرى ذلك ع. م. السامرائي ، مقال منشور في المورد ، ١٩٨٤ ، ص ١٠.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٥) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٦) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٥.