الخارطة يحسن بنا عبور الكوفة كما وصفها أبو مخنف ، لّما روى ثورة المختار (٦٦ ه). ستكون جولة غامضة تمدنا ببعض العلامات ، لكنها تسمح خاصة بإحياء الجو الذي كان سائدا في ذلك العصر.
كانت حركة المختار وشيكة ، فاحتاط الأمير وعجّل بالأحداث. فوجّه صاحب الشرطة «حول السوق» (١) الذي أرسل بدوره ابنه برفقة الجند إلى الكناسة (٢). ولا ننس أن قائدي الثورة كانا المختار نفسه المقيم بالمركز كما هو معلوم إلى جانب الجامع ، وكان من ثقيف فتقع إذن قطيعته في الشمال ، وقد عوّل بالخصوص على جيران ثقيف من همدان. والرأس الثاني هو الأشتر النخعي من مذحج المقيمة في جنوب المساحة المركزية التي ينبغي عبورها لكي يتصل الجمعان ، وقد تحدد موقع القائد الثاني ومذحج بالاعتماد على خارطة سيف.
طلب صاحب الشرطة أياس بن مضارب من الأمير أن يعين في كل «جبّانة عظيمة» رجلا ثقة برفقة رجال مسلحين. وهذا يعني :
أ) أن هناك تطابقا وحتى تماثلا في دور الكناسة والجبانات.
ب) أن الجبانة كانت مكانا للتجمع داخل الخطط ، وموقعا استراتيجيا بالنسبة لقبيلة أو مجموعة من القبائل.
ثم أورد أبو مخنف قائمة الأشراف الذين توجهوا إلى الجبانات الرئيسة لكي يصدوا أفراد قبائلهم عن الخروج ويحتلوا الشوارع الكبرى في آن واحد ، منعا لكل تنقل. وقد ورد ذكر الجبانات الآتية : السبيع (همدان) وبشر (خثعم) وكندة وسالم (قيس) والصائديين (أسد؟) ومراد (مراد ومذحج) (٣). وذكرت جبانة الصائديين وجبانة كندة أيضا في الرواية المتعلقة بثورة حجر ، على أنهما متجاورتان (٤). والملاحظ أيضا أن جبانة مراد ورد ذكرها منذ عصر علي (٥) ولذا يبدو أننا بإزاء أقدم الجبانات وأهمها ، والمهم أنها ملك للقبائل اليمنية ،
__________________
(١) الطبري ، ج ٦ ، ص ١٨. كان الوالي ابن مطيع ، وقد ولاه ابن الزبير.
(٢) المرجع نفسه ، ص ١٨ ، وأنساب الأشراف. ج ٥ ، ص ٢٢٤. سوف نعتمد الطبري باستمرار في هذا الصدد ، ج ٦ المطابق للجزء الثاني ص ٦٠٠ وما بعدها من طبعة ليدن. وقد جارت روايته كثيرا رواية أبي مخنف وجاءت مفصلة ؛ وكتاب البلاذري أوضح وأوجز وأقل جزئيات. إن مخطوطة برلين المنسوبة إلى أبي مخنف وعنوانها : كتاب خبر المختار وابن زياد ، مزيفة وليس لها أهمية.
(٣) الطبري ، ج ٦ ، ص ١٨.
(٤) الطبري ، ج ٥ ، ص ٢٦١.
(٥) انظر لا حقا.