استقلاله كبيرا بالنسبة للسلطة في المدينة. أما الآخرون فإن السلطة هي التي استحثتهم على التنقل والواقع أن منهم عشائر وقادة تورطوا في حروب الردة ، منهم عامر بن ربعي ، وعدي بن حاتم. وبما أن سيف بن عمر انفرد بذكرهم ، يمكن القول انه سبق الأحداث ، ويمكن التفكير كذلك أن عمر بتوجيهه هذه الفرق الصغيرة ، أراد اختبار صلاح أهل الردة. إن روايات سيف جيدة بصورة عامة ، فيما يخص القبائل وتركيب الجيش العربي ، وترتيب وصول الجيش وعدد المقاتلين (١) ، في حين أنها تخطىء في خصوص ضبط التواريخ. فما قولنا في كل ذلك سوى أن عمر قرر على الأرجح منذ مطلع سنة ١٤ ه ، وربما حتى منذ أواخر سنة ١٣ ، الشروع في مسيرة القبائل الطويلة ، بهدف فتح العراق فتحا حقيقيا (٢) ، دون أن يترقب نتائج العملية الدائرة في الشام؟ ومن هذه الوجهة تمثل هجرة بجيلة ، ورحيل ضبة وخثعم وغيرهما ، التي تمت عن طواعية ، توطئة لما سيجدّ على صعيد أوسع بمشاركة سعد ، كما تمثل البويب معركة تدريبية تعد العدة لمعركة القادسية. كان ينبغي الانتصار لا محالة في البويب ، بلوغا لهذا المطلب.
سمي هذا الصدام بيوم مهران أيضا (٣) على اسم القائد الفارسي المهزوم والمقتول ، عند موقع الكوفة العتيدة ، فيما بين خطة السكون والفرات أو دار الرزق ـ وبني سليم (٤) ، حيث كان البويب بمثابة المصب العتيق للفرات (٥). ودارت المعركة وراء الفرات ، على مدى المجال الذي ستحتله مدينة الكوفة. المؤكد أن الرهان كان مهما. قد يتسبب انتصار للفرس بالبويب في دحر العرب ، كما أن انتصارا للعرب قد يجبر الفرس فعلا على خوض المجابهة النهائية لإنقاذ العراق والامبراطورية كافة أو التخلي عنهما. لا شك أن الفرس شعروا عند انهزامهم بالبويب ، بواقع الخطر العربي عند فوات الأوان ، أما العرب ، فقد استمدوا من نصرهم جسارة لا تقهر. بقي أن نتحدث الآن عن مشكل تأريخ الأحداث.
__________________
(١) معلوماته من الدقة والتماسك في هذا الموضوع بما يمنع التشكيك فيها بجملتها وقد استخدم الطبري كتاب الفتوح الكبير : راجع الفهرست ، طبعة بيروت ، ص ٩٤. أما عن الفتوحات فيراجع هيل ، Hill Termination of Hostilities ـ ـ ـ ، الذي استعرض ستا وثلاثين رواية كان أوردها سيف. ولنضف بخصوص فتح العراق ، أن الاسنادات المتواترة تعود إلى مجالد والشعبي ومحمد وطلحة.
(٢) نتفق كل الاتفاق في هذا الأمر مع السيدة فيشيا فاغلييري : Mme. Veccia ـ Vaglieri, E. ١ / ٢ Sub Verbo Kadisiyya ، ومن المفارقة أن سيفا أورد التاريخ نفسه : الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤٧٨.
(٣) كان مهران أحد رؤساء العشائر السبع ، راجع : Christensen, L\'Iran sous les Sassanides. Copenhague,. ٦٣٩١, p. ٩٩
(٤) الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤٦٨.
(٥) «كان مغيضا للفرات في عصر الأكاسرة يصب في الجوف» ، حسب عبارة البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٥٤ ؛ وفي معجم البلدان ، لياقوت ، ج ١ ، ص ٥١٢ ، تفاصيل أخرى.