مكلفا بالسلسلة بمدينة واسط) (١) هذا الجسر يسهل قطعه ، هو ضيق نسبيا ، إذ حين يتكاثر الناس عليه يدور الحديث عن الزحام (٢). ولّما اتسع حجم المبادلات وتزايدت حدة الشعور بالتنظيم والاستقرار اتخذ عمر بن هبيرة الوالي (١٠٣ ـ ١٠٥) قرارا ببناء قنطرة بمواد صلبة. وأعاد القسري البناء وحسنه ثم جرى إصلاحه عدة مرات بعد ذلك (٣).
أورد البلاذري خبرا مفاده أن أصل البناء يعود إلى العصر الساساني الغابر ، وروى أن مهندسا عربيا من النساطرة الجعفيين بنى القنطرة التي انهارت بعد مدة (لأنها بنيت من لبن على الأرجح) ، مما أدى إلى إقامة جسر من المراكب كممر بديل (٤). ويزعم هذا الخبر أن زيادا كان أول من أعاد بناء القنطرة ، وأن ابن هبيرة وخالدا وابن شبيرة الثاني قاموا بإصلاحها ثم تناوب الولاة على الاصلاح. ومن العسير اعتماد هذا الخبر ، لأنه لم يرد خبر آخر يتعلق بوجود قنطرة في ولاية زياد بل بعد زياد. وروى أبو مخنف أن هناك قنطرة قريبة من دير عبد الرحمن (٥) ، كما ذكر أن أهل الكوفة خرجوا سنة ٨٢ ه لاستقبال ابن الأشعث «بعد ما جاز قنطرة زبارا» (٦).
فهل يطابق هذان الخبران الصادران عن هذا المؤرخ ، اسقاطا لواقع لاحق ، كما كان ديدنه في صور كثيرة؟ وهل أنهما يتعلقان بأمر آخر غير قنطرة الكوفة؟ في الحقيقة ، الأقرب إلى الصواب أن تكون القنطرة أمرا حديثا ، وأنها من عمل ابن هبيرة نفسه الذي روي عنه فضلا عن ذلك أنه كان أول من نظم الأسواق في واسط حيث ولّى صاحبا للسوق. بقي علينا أن نحدد مكانها. لا يمكننا القطع أنها كانت تقع مطلقا على الرافد الكوفي للفرات بدل نهر سورا. والمرجح أنها كانت توجد دون شك بمكان يعرف بزبارا (٧) بعيدا عن الجسر فيما يظهر ، كما أكد ذلك خبر ورد بكتاب المقاتل أدرج في رواية تتعلق بثورة أبي السرايا (٨). إن
__________________
(١) ابن سعد ، الطبقات ، ج ٦ ، ص ٨٣ ـ ٨٤.
(٢) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٠٧.
(٣) فتوح البلدان ، ص ٢٨٦ ؛ ابن الفقيه ، ص ١٨٣ ؛ البراقي ، ص ١٢٠ ، وقد حدد هذا الأخير موضعها بمكان يعرف حاليا بقنيدره ، في الجنوب الشرقي من المسجد.
(٤) فتوح البلدان ، ص ٢٨٦.
(٥) الطبري ، ج ٦ ، ص ٨١ ـ ٨٢. أبو مخنف ذاته يذكر هذه القنطرة في الأخبار المتعلقة بعلي لكن يظهر من السياق أنها والجسر شيء واحد : الطبري ، ج ٥ ، ص ٨٣.
(٦) المرجع نفسه ، ج ٦ ، ص ٣٤٦. وقد ورد ذكر وجود قنطرة بالحيرة : ابن سعد ، ج ٦ ، ص ٢٠٩ ؛ صالح العلي ، «منطقة الكوفة» ، ص ٢٣٩ ؛ الأغاني ، ج ١٣ ، ص ٤١.
(٧) الزبيدي ، ص ١٦٤.
(٨) مقاتل ... ، ص ٥٥٣. لكن الخبر الخاص بعلي يوحي بالقرب إذ يقول أبو مخنف في الطبري ، ج ٥ ، ص ٨٣ ما نصه : «وخرج فعبر الجسر فصلى ركعتين بالقنطرة». إذا بالطبع لم يعن هذا القول أنهما شيء واحد كما ذكرنا أعلاه.