المصادر متضاربة وغامضة في الغالب ، لكنها تذكر رغم ذلك واقعا أساسيا في الموضوع ، هو تعدد نقط العبور الثابتة والقناطر العربية المبنية بمنطقة الكوفة وبهذا الصدد فإن الذي يهمنا هو الانطباع العام أكثر مما هو ضبط الأمور. قنطرة الكوفة ، وقنطرة زبارا (سواء طابقت الأولى أم لا) ، وقنطرة دير عبد الرحمن ، وقنطرة الحيرة : لقد جعل هذا التراكم من القنطرة عنصرا جوهريا في محيط الكوفة. وحين يأتي الوقت الذي ستحاط خلاله المدينة بخندق من الماء سوف تبرز القناطر المجهزة بالابواب في كل مكان ، وسوف تطبع بوجودها منظر المدينة.
الحمامات الداخلية والخارجية :
ولم تكن مساهمة الحمامات أقل من ذلك في وسم المظهر الحضري ووتيرة الحياة في الكوفة كما في البصرة ، وبالتالي في كل مدينة إسلامية. كانت الحمامات موروثة عن الساسانيين ، ولعلهم اقتبسوها بدورهم من الحمامات الرومانية. وقد ظهرت الحمامات بعد مدة طويلة ، المدة اللازمة كي تدخل الممارسات التعبدية أعماق المجتمع وتندمج في الحياة اليومية ، وينسجم مجهود الابتكار والتنظيم مع احتياجات الكيان الاجتماعي ، وإلى أن استوعبت النماذج الخارجية للحضارة. وقد طابقت بالخصوص شعائر الوضوء.
أقيمت الحمامات في ولاية زياد ، في البصرة كما في الكوفة ، مع بعض التضييقات. ويبدو أن زيادا فرض الحصول على الاذن مسبقا ، وحددها خارج محيط المدينة (١). ثم تكاثرت بعد مدة في البصرة ، وأنشئت داخل المدينة خاصة ، هذه المدينة التي أتخمت ماء ، وتعددت فيها القنوات (٢). كان عدد الحمامات المعروفة بالكوفة خمسة منها حمامان كانا خارج المدينة ، في حين أن البلاذري ذكر أسماء أربعة عشر حماما في البصرة (٣). أقيم حمام عمرو بن حريث وحمام قطن بن عبد الله من جهة خطط الشمال ، لكن لا يمكن ضبط موقعهما أكثر من ذلك ، مع أن الحمام الثاني لم يكن على الأرجح بعيدا عن جبانة السبيع (٤) ، وحدد موقع حمام المهبذان بوضوح في السبخة (٥) حيث كان التزود بالماء متيسرا. وقد تزود الحمام الأول والحمام الثاني بالماء من نهر بني سليم (٦). أما الحمامات الموجودة خارج المدينة ، كحمام أعين وحمام عمر بن سعد ، فإنه ينبغي تحديدها بين رافدي الفرات (٧) على طريق المدائن وخراسان.
__________________
(١) أنساب الأشراف ، ج ٤ (١) ، ص ٢٢٣.
(٢) ١٢٠٠٠٠ قناة حسب الاصطخري ونقل عنه الخبر الأفغاني : أسواق العرب ، ص ٣٩٨.
(٣) فتوح البلدان ، ص ٣٨٤ وما بعدها ؛ أنساب الأشراف قسم ٤ ، ج ١ ، ص ٢٠٥ حيث يرد ذكر لحمام بلج.
(٤) الطبري ، ج ٦ ، ص ٨٤.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٥١.
(٦) الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٦٥ ؛ البراقي ، ص ١٢٠.
(٧) لا سيما حمام عمر حيث قضى شبيب ليلة ، وكان يقع بين قصر ابن هبيرة وقبّين : الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٣٦.