وكانت هذه الحمامات أيضا أماكن استراتيجية من المقام الأول ، حيث عسكرت فيها عدة جيوش ، وأقيمت فيها المرافق بحيث تحولت تلك الأماكن إلى منشآت مدنية أو شبه مدنية.
تذكر المصادر أن عمر بن سعد عندما حاول «الخروج» من المدينة حين طارده المختار ، لجأ إلى حمّامه ، فدخله ثم عاد وقتل (١). وحدده أبو مخنف تحديدا أدق ضمن روايته بخصوص شبيب ، فجعله يقع بعد مكان يعرف بقبين وقبل قصر ابن هبيرة (العتيد) (٢).
وأخيرا ، فلما أمر الحجاج ، بعد ثورة ابن الأشعث ، برحيل الجيش النظامي أي «ضرب البعث» ، وهو الجيش المتكون من أهل الكوفة ، عسكر الجميع بحمام عمر. واستخدم حمام أعين كمعسكر ـ وأعين أحد موالي بشر بن مروان (٣) أصبح من موالي الحجاج ـ وكمكان للاستراحة وكمرحلة أولى بعد الخروج من الكوفة. وكذلك استعمله ابن الأشتر في طريقه إلى الجزيرة (٤) ، وعتّاب بن ورقاء عند خروجه لملاقاة شبيب (٥) ، وشبيب نفسه (٦). وورد ذكره صراحة بأنه يقع على الصّراة (٧). ويبدو أن الموقع الخارجي لبعض الحمامات كان من خاصيات الكوفة. لكنها بقيت كما في البصرة ، من نصيب أناس مقربين من الحكم ، سواء كانوا عربا أو موالي ، وكانت السلطة هي التي تأذن بالاستغلال. فيقابل عمر بن سعد وعمرو بن حريث في البصرة عبد الله بن عثمان بن أبي العاص ومسلم بن أبي بكرة ، ويطابق أعين شخص فيل وهو من موالي زياد ، وقد تسمى باسمه باب الفيل في الكوفة. ومن المعلوم أيضا أنه كان في أول الأمر للحمامات مداخيل كبيرة وكبيرة جدا في البصرة ، بلغت ١٠٠٠ درهم في اليوم ، فساعد ذلك على انتشارها. وقد عرف أصحاب الحمامات في الكوفة كيف يحافظون على شبه الاحتكار الذي كانوا يتمتعون به ، وكان ذلك أحد النشاطات التجارية النادرة التي تعاطاها أشراف الكوفة.
__________________
(١) الطبري ، ج ٦ ، ص ٦١.
(٢) المرجع نفسه ، ج ٦ ، ص ٢٣٦.
(٣) المرجع نفسه ، ج ٦ ، ص ٢٤٢.
(٤) المرجع نفسه ، ص ٨٢.
(٥) المرجع نفسه ، ص ٢٦٠.
(٦) المرجع نفسه ، ص ٢٦٨.
(٧) المرجع نفسه ، ص ٢٦١.