المصادر في موضوع تسمية هذه الجبانة التي تنسب إلى الصائديين تارة ، وإلى الصوداويين طورا ـ لكن المصادر المتأخرة هي التي تستخدم دائما هذه التسمية الثانية. وما تواتر في المصادر هي التسمية الأولى بنسبة عالية جدا. ولذا ، يمكن حسم الأمر حسما قاطعا أو يكاد ، لفائدة الصائديين. وفي صورة ماذا كانت جبانة الصائديين منشأة يمنية فلا يعني ذلك انتقال عشائر همدان ، بل إنه مجرد حضور عشيرة صغيرة في وقت من الأوقات ؛ أتيح لها فيها بعد أن تهاجر إلى مكان آخر. وعلى النقيض من ذلك ، فإذا تم هذا الإنشاء بمنطقة تفوقت فيها بكر وقيس فذلك يدل دلالة واضحة على الطابع اليمني الصرف للجبانات.
ـ من إحدى عشرة جبانة عدتها الكوفة (١) كانت ست جبانات يمنية ، إذا عددنا جبانة الصائديين. والأهم من ذلك أن حدثت بهذه المواقع أحداث جسام ، منها الانتفاضات المسلحة والثورات والمعارك ، وقد ارتبطت صميم الارتباط بحياة المصر. ونستثني جبانة سليم (٢) التي كان لها اسم آخر هو جبانة بني سلول (٣) والتي كانت ملكا لقيس ، وكانت الوحيدة من بين ما تبقى من جبانات التي يمكن مقارنتها بجبانات اليمن. ذلك أن شمر بن ذي الجوشن انتصب مع قيس في جبانة سالم خلال ثورة الأشراف على المختار ، في حين اجتمعت اليمنية بجبانة السبيع وجبانة بشر ، وفي حين لم يكن لمضر (تميم وعبس وضبة) سوى الكناسة ، وحيث اكتفت ربيعة بمكان غير محدد كان يقع بين التمّارين والسبخة (٤). وفي سنة ١٢٢ ه سوف تكون جبانة سالم المكان الذي يختاره زيد بن علي لجمع رجاله واعلان الثورة (٥).
ـ وكانت جبانة أثير تابعة لأسد (٦) التي كانت قبيلة مضرية كبيرة. فوجب تحديد موقعها إلى الجنوب الغربي ، في خطتها وفي اتجاه الكناسة. ولم يذكرها الطبري سوى مرة واحدة عندما كانت مقرا لمناوشة بين ابراهيم بن الأشتر وأحد خصومه ، كان قد تغلب عليه وطرده حتى الكناسة بالذات (٧). ولذا لم يكن لها من الأهمية ما كان للجبانات اليمنية
__________________
(١) لا نعتبر في هذا العدد جبانة ميمون التي أنشئت في العصر العباسي : فتوح البلدان ، ص ٢٨٦ ، وإلا صار عددها ١٢ جبانة تماما ، بشرط تمييز الثويّة.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٨٣ ؛ الطبري ج ٦ ، ص ١٧٢ و ١٨٢ ؛ أنساب الأشراف ، ج ٣ ، ص ٢٤٩ ؛ ابن الفقيه ، ص ١٨٣ ؛ اليعقوبي ، كتاب البلدان ، ص ٣١١.
(٣) الطبري ، ج ٦ ، ص ٤٥ و ٤٦.
(٤) المرجع نفسه ، ج ٦ ، ص ٤٥.
(٥) المرجع نفسه ، ج ٧ ، ص ١٧٢.
(٦) أخطأ البراقي حين أسندها إلى عبس لكنه يؤكد أنها عادت بعد ذلك لكندة : تاريخ الكوفة ، ص ١٢٠ وما بعدها.
(٧) الطبري ، ج ٦ ، ص ٢١.