الاقامة عبر تمييز عنصري لا يتصور ، إذ كانوا ملزمين بمغادرة المدينة قبل أن تقفل أبوابها عند المغرب (١). كان للعرب المختارين فقط حق الاقامة ، لكنهم كانوا مثل الآخرين وعلى حد سواء ، خاضعين لنظام الرقابة والارهاب. فيذكر لنا بحشل أن الحجاج وضع الحرس على كل باب من أبواب السور ويذكر لنا أيضا أن العرب كانوا يدخلون المدينة عند المغرب فيما يخرج منها أهل السواد (٢). إذ لا حق لهم بالمبيت فيها.
وهكذا نجد في المشروع الحجاجي لواسط ارادة واضحة لاقصاء الغير ، وهذا ما أضفى على واسط مظهر المدينة المغلقة الخاضعة للرقابة ، ومثل هذه النية تبرز في مخطط المدينة المدورة ، لكن الكوفة والبصرة لم تتصفا بهذا المظهر ، ما عدا بعض الفترات الخالية من الارهاب. ولقد قيل إن أفصح العرب أقاموا بواسط لنقائهم العرقي ، وفي مكان آخر إن أهل الكوفة اختلطوا بأهل السواد وأهل البصرة في الخوز (٣) ، وهذا دليل على عمق المبادلات بين المصرين ومحيطهما البشري. وقد برزت سياسة التعسف الاستثنائية التي توخاها الحجاج في نهب زخارف العمارة بالمدن القريبة ، لا سيما أبواب الحديد بمدينة؟؟؟ ند ورد والدوقرة ، ودير ماسرجيس وسرابيط ، كما تناقلته الروايات (٤) ، واستقدمت لتركيب أبواب واسط ، وأعيد استخدامها في بغداد من قبل المنصور (٥). لكن هذه السياسة التي توخاها الحجاج جاءت معاكسة للتيارات المتجهة إلى الاختلاط ولحركات النزوج الريفي إلى المدينة ، ولذا جرى العدول عنها بعد موته (٦). ولئن ظهرت الكوفة بمظهر النموذج على صعيد العمارة للنواة المدنية فإن واسط اختلفت عنها جذريا ، على الصعيد البشري والثقافي ، وقد ترجم ذلك من حيث العمارة إلى تعارض دامغ في واسط ، بين مركز سياسي ـ ديني عظيم وحزام سكني ـ متركب من محلات ـ هزيل فعلا (٧). وعندما «تمدنت» البصرة والكوفة بانتفاء الصفة العسكرية عنهما ، تم ظهور واسط كمركز استيعاب لجيش الاحتلال الشامي ، معوضة الكوفة والبصرة في اختيارهما الحربي السابق ، لكنها وقفت نفسها على خدمة دولة وخصوصية سياسية معينة.
__________________
(١) تاريخ واسط ، ص ٤٦.
(٢) المرجع نفسه ، ص ٤٦.
(٣) المرجع نفسه ، ص ٤٦.
(٤) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ٢٨٩ ؛ ياقوت ، معجم البلدان ، مادة «واسط» ، ج ٥ ، ص ٣٤٩ ؛ الخطيب ، تاريخ بغداد ، ص ٧٥.
(٥) الخطيب ، تاريخ بغداد ، ص ٧٥.
(٦) معجم البلدان ، مادة «واسط». لكن تاريخ واسط يذكر أن التمييز العنصري استمر حتى زوال الدولة الأموية : ص ٤٦.
(٧) تاريخ واسط ، ص ١٢ ، ١٤٠.