الواقع أن الاحترازات بقيت عنيدة على مستوى المؤسسات ، ولن تبدأ في التبدد إلا بعد وقعة القادسية فعلا ، كأن القادسية كانت فرصة للتكفير عما سلف أو بوتقة للتوحيد. لقد صاحب القادة الكبار المرتدون ، منهم الأشعث بن قيس وطليحة بن خويلد وعمرو بن معديكرب ، قبائلهم إلى الحرب ، لكنهم لم يتحصلوا على أية صفة عسكرية قيادية في شراف. إن قادة الأعشار التي كانت عبارة عن وحدات كبيرة ـ والتي ستتحول بعد ذلك إلى أسباع ـ وكذلك الذين كانوا على رأس وحدات الجيش الكبرى المتأهبة للقتال ـ وهم أمراء التعبئة ـ سواء على الميمنة ، أو الميسرة ، أو القلب ، أو المشاة ، أو الفرسان ، قد اختيروا لولائهم للإسلام. وهكذا ، وقع تفضيل شرحبيل بن السمط الكندي ضمن قبيلة كندة ، على الأشعث الذي كان أكثر شرفا ، لكنه كان مرتدا شهيرا كما يذكره سيف الذي يشير إلى أن الأمور ستتغير بعد ذلك قائلا : «وكان قد غلب الأشعث على الشرف فيما بين المدينة إلى أن اختطت الكوفة» (١).
ويلاحظ الاتجاه الإسلامي ذاته في مستوى القيادات الصغرى ، نعني العرافات المتركبة من عشرة رجال ، على نمط عرافات الرسول والتي ستبقى بالكوفة والبصرة ، وبعد أن أعيد فيها النظر من وجهة الوظيفة والعدد. روي أنه «كان في الأعشار» ، سبعون رجلا بدريا ، وثلاثمائة وعشرة من الصحابة ممن ترجع صحبته إلى بيعة الرضوان ، وولي ثلاثمائة صحابي آخر شاركوا في فتح مكة وسبعمائة من أبناء الصحابة من كل القبائل (٢) ، لكن مفهوم الصحابي مرن ، وهو يشمل كل أولئك الذين كان لهم اتصال سابق بالرسول. وإذا صحت هذه الأرقام ، فلعلها تعني أنه لم يغادر المدينة عناصر كثيرة حيث لم تصلنا أسماء معروفة منهم (٣) لا في مرحلة التنظيم ولا في مرحلة المعركة لكنها تبرهن على أنه وقع تفضيل الأوفياء على غيرهم وأن التيار الإسلامي فضّل على التيار التقليدي ضمن عالم القبائل بالذات» (٤).
وخلافا لذلك ، كان أبناء كبار الصحابة حاضرين بالشام ، وقاتلوا بأجنادين كما في اليرموك ، حيث دفعوا ضريبة الدم التي كانت مرتفعة (٥). وعندما يرد ذكر بعض الأسماء منهم في القادسية فإن عدد الأنصار يربو على عدد القرشيين. ومن باب التناقض أن يلح
__________________
(١) المرجع السابق ، ج ٣ ، ص ٤٨٨.
(٢) الطبري ، التاريخ ، ج ٣ ، ص ٤٩٠.
(٣) لكن ورد ذكر اسم عبد الله بن المعتم : الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٨٨.
(٤) من الأوفياء كان هناك أشراف. ولنذكر زهرة بن عبد الله بن قتادة بن الحوية الذي كان قائدا للطليعة (الطبري ، ج ٣ ، ص ٤٨٨ وغيرها) ، وعاصم بن عمرو ، المرجع نفسه ، ص ٥٣٠).
(٥) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص ١٤١.