هي التي تدعم الحركة الشيعية ، سواء كانت هذه العناصر من العرب اليمنيين ، ولا سيما من عشائر همدان (خارف ، شاكر ، .. إلخ) أم من الذين كانوا يجنّدون من عامة الموالي الجدد ، المهاجرين ، الذين كان المختار يحرضهم ويستعين بهم. ولربما كان تحالف اليمنيين مع القضية الشيعية متأتّ من وضعهم الهامشي ، ثقافيا واجتماعيا ، في المدينة العربية. إذ من الثابت الذي لا شك فيه أن عددا من الفقراء كانوا يجنّدون من عشائر همدان (عشائر روادف؟) وأن الدعوة إلى آل البيت ، تجاوبت أصداؤها في جنبات الوعي اليمني القديم. وهذا ما يفسر الطابع الشعبوي الذي اكتسبته ثورة المختار (٦٦ ـ ٦٧ ه٦٨٥ / ـ ٦٨٦ م) ، ولعلّها كانت أكثر الثورات الشيعية أهمية في القرن الأول / السابع : فقد أفلحت في الإمساك بزمام السلطة في الكوفة ، فترة من الزمن ، كما أفلحت ، بخاصة ، في تشكيل الوعي الشيعي ، فمنحته نفسا صوفيا ، وزودته بلغة وشعارات وعناصر عقيدة. ولاحقا ، غدت الكيسانية التي تفرعت منها ، على يد أبي هاشم ، في أساس الدعوة في سبيل آل البيت.
مع الأسرة العباسية ، بدأ تعميق الحركة الشيعية وتحويلها إلى حركة فكرية ، إذ خفتت حدّة العمل السياسي وأصبح متقطعا. وكان ينبغي انتظار العام ١٩٥ ه / ٨١٤ م لكي ينبعث من جديد في ثورة بأسلوب قديم ، هي ثورة ابن طباطبا ، ثم العام ٢٥٠ ه٨٦٤ / م لكي تنفجر ثورة أكثر فشلا هي ثورة يحيى بن عمر. غير أن التشيّع ، بوصفه معتقدا ، لم يتوقف عن النمو والانتشار في المدينة ، إلى أن غدا الإيديولوجيا الوحيدة في الكوفة ، أواخر القرن الثالث / التاسع ، وأضحى عقيدة دينية وثقافية في القرن الرابع / العاشر. إذ ذاك قوي المخيال الشعبي على قراءة تاريخ المدينة وترتيبه من جديد ، فصنّف معالمها ومواقعها ، وقسّم أحياءها ومساجدها ، وفقا لمعاييره ، إلى قسمين ، واحد فيه البركة وآخر عليه اللعنة.
استطاعت الكوفة أن تنقل وعيها الشيعي إلى الفضاء الثقافي الإيراني ، وبخاصة إلى قم ، التي كانت امتدادا للكوفة الشيعية ، كما كانت بلخ ومرو ونيسابور امتدادا للبصرة. ولذا كانت الكوفة ، بوصفها مركزا استعماريا ، دون البصرة نشاطا وفعلا. ومعلوم أن كلا من المصرين ، كانت له ثغوره وماهاته ، وهكذا توزّعت الأراضي المركزية الإيرانية بين المصرين عمليا : كانت الري ثغر الكوفة ، وأصفهان تابعة لها. غير أن ماه الكوفة ، نهاوند ، كان أقل نشاطا من ماه البصرة ، ديناور (علما بأن بعض المراجع تتحدث عن ديناور وتصفها بأنها ماه الكوفة). بيد أن البصرة تفوّقت على الكوفة في السباق على فتح الأراضي