خلافا لذلك ، ظل وجود مهاجرين يمنيين أقحاح ، على صلة وثيقة بأصولهم ، يلعب ، طيلة الشطر الأكبر من القرن الأول ، وفي الكوفة أكثر منه في أي مكان آخر ، دورا كابحا لذلك النمط من البناء السياسي / الميثولوجي. من هنا ضرورة التشديد على وضع تعريف دقيق وواضح لليمنية يتيح التمييز بين نواة مركزية وأطراف ، ويلغي نهائيا المفهوم الإيديولوجي الواسع لليمنية.
همدان :
لا شك في أن الثنائي القبلي همدان / حمير هو الذي يمكن له أن يفخر بكونه يمثل الأصالة اليمنية. لم يعد الحميريون كما كانوا من قبل ، وذلك لكثرة ما استنفدوا في الماضي طاقاتهم السياسية ، لكنهم ظلوا محتفظين ، معنويا ، بهويتهم القبلية على الرغم من اندماجهم في همدان. وليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا الاندماج قد حصل : فهو يسقط على الكوفة ما كان يوجد أصلا من تعايش قديم. ومن بين القبائل الكبرى جميعا ، كانت همدان هي صاحبة الدور الأكبر في بناء الحضارة اليمنية القديمة؛ إذ نعثر على اسمها ثلاثا وثلاثين مرة في النقوش (١) ، كما أن كتاب الإكليل (٢) يظهر مدى رسوخها في تلك الحضارة. وكانت هذه القبيلة قد استقرت ، منذ ما قبل الإسلام ، في المنطقة الواقعة بين مأرب ونجران ، حيث طردت طيّا من ذلك الموقع ، على ما يبدو. لا شك في أنها كانت حضرية ، غير أن المشكلة هي معرفة ما إذا كانت قد أخذت جميعها بالحياة الحضرية ، أم أنها حافظت على العلاقات التي تصلها بنمط حياة البداوة. وإنه لذو دلالة واضحة أن تكون الكتب العربية التي تبحث في الأنساب ككتاب جمهرة أنساب العرب لابن حزم (٣) تميز بوضوح نسب همدان وحمير. على أن
__________________
(١) Lankester Harding,An Index and Concordance of pre ـ Islamic Arabian Names and Inscriptions,Toronto Press.
(٢) الهمداني ، الإكليل ، الجزء العاشر ، القاهرة ، ١٣٦٨ ه. قرأ الهمداني واستعاد في كتابه مساند همدان (ولا سيما ناعط) وجمير : إكليل ، ص ص ١ ـ ١٧. وهو من جهة ، يميل إلى اعتبار ملوك حمير من حاشد ، وإلى إضفاء مسحة ملكية على عدد من عشائر همدان ، كآل مرب الذين منهم سعيد بن قيس الذي في الكوفة ، في حين أنه من جهة ثانية ، يذهب إلى إطالة شجرة النسب ليصل إلى أبعد زمن ممكن فيها ، آخذا على العراقيين (ولا سيما الكلبي) أنهم يقصّرونها. ومع ذلك فإنه يقرّ (ص ٨٠) بأن حمير وهمدان لا تتطابقان.
(٣) جمهرة ، طبعة القاهرة ، ١٩٦٢ ، صص ٤٧٥ و ٤٧٨. تقسم همدان إلى قبيلتين : حاشد وبكيل.