في عهد زياد صمّم ليتسع لستين ألف شخص؛ أما البلاذري (١) فيذكر بخصوص عدد سكان الكوفة ستين ألف رجل وثمانين ألف امرأة وولد. وهذا ما يصوّر كم كان واسعا ذلك المدى الذي تبلغ نسبة اليمنيين فيه ، بحسب المعلومات التي يذكرها الشعبي (٢) ، الثلث : خمسون ألف منزل لربيعة ومضر ، و ٢٤ ألف منزل لليمن.
من قراءاتنا في كتاب الطبقات لابن سعد ، يتضح أن همدان كانت ، في المنطقة اليمنية ، هي الأكثر عددا ، تليها مباشرة مذحج؛ فمثلا ، في الطبقة التي تلي مباشرة طبقة المحدّثين الأوائل الذين نقلوا أحاديث عن علي وعن ابن مسعود ، هناك ٣٤ شخصية معروفة ، بينها ثمانية من همدان ، وخمسة من مذحج ، وثلاثة من الأزد ... إلخ؛ وفي الطبقة التي تليها ، أي طبقة الشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ، هناك ٦٩ اسما ، بينها ٩ أسماء من همدان ، و ٦ من بجيلة ، و ٤ من مذحج (بينهم ثلاثة من نخع) ، و ٣ من طيّ ، و ٤ من الأنصار. في رأينا. أن همدان كانت القبيلة الأكثر تعدادا بين قبائل اليمن ، وربما في الكوفة كلها.
١ ـ عشائر النواة اليمنية :
أظهر تبسيط الخريطة القبلية في عهد زياد ، أهمية الثنائي القبلي همدان / مذحج ، وكشف الموقع الاستثنائي الذي يحتله في الفضاء اليمني. وقد ظهر هذا الموقع بوضوح أثناء تمرّد حجر بن عدي (العام ٥١ ه) : يميز الطبري (٣) هاتين القبيلتين من «قبائل اليمن الأخرى» الأزد وبجيلة وخثعم وقضاعة وخزاعة والأنصار. وقد مرّ بنا أن فروع القبائل هذه ذابت في الأرباع. ولكن ، في ما يتعدى الجانب السياسي والإداري للأمور ، ينطوي ذلك التمييز على صيغة واضحة لدرجات الانتماء إلى النفوذ اليمني وأشكاله. وبما أنّه حدث في العهد الأموي تجاوزا للإسلام عودة إلى الأشكال القبلية القديمة ، كذلك انبعثت بقوة التحالفات القبلية القديمة. ولم تستعد مجموعتا القبائل الكبيرتان يمن / قيس العداوة الضارية بينهما إلا في نهاية القرن الأول ، فاكتسبت فكرة اليمن دلالة واسعة شملت القبائل اليمنية الأصيلة والقبائل اليمنية الأقل أصالة (قضاعة) ، ماحية الفوارق القبلية بينها.
__________________
(١) فتوح ، ص ٣٤٥.
(٢) ياقوت ، معجم ، طبعة بيروت ، ٥ ، ٢٩٧.
(٣) تاريخ ، ٥ ، ٢٦١.