اليمني ـ القيسي غائبا تماما ، في حين أنه كان على أشدّه في سوريا والبصرة والجزيرة وخراسان. وسنرى أن ذلك عائد إلى أن اليمنية المناضلة لم تكن متطابقة مع اليمنية التاريخية ، وأنها كانت تخوض نضالات أخرى ١. من جهة ثانية ، تظهر هذه المفارقة الزائفة هامشية القبائل اليمنية القديمة بالنسبة إلى الشكل الجديد للعروبة التي دخلت التاريخ بالإسلام ومع الإسلام. ومهما بلغت من كثافة الحضور في الكوفة ، فإنها لم تكن أكثرية فيها؛ ومهما كان لهذا الحضور من إشعاع ثقافي ، فإنه لم يكسف محور ثقافة العروبة الشمالية. ومن هنا ارتباطها بالمسألة الشيعية ، وهو ارتباط ما لبث أن أخذ يزداد رسوخا ، وذلك بمقدار ما كان التشيّع يزداد تحوّلا إلى معارضة يائسة ، لا بل إلى ميثولوجيا. فهل هامشيتها هي التي دفعتها إلى تكثيف وجودها في الكوفة ، فساعدها نفوذها ـ كما يقول ماسينيون ـ على «تمدين العرق العربي»؟الثابت هو أن الكوفة تدين للحضور اليمني فيها ، بقدر كبير من أصالتها : وهي لا تدين لها بثقافتها (الفقه ، التصوف ، اللغة) بمقدار ما تدين لها بصبغتها الاجتماعية التي تمتاز بعروبة راسخة ، موغلة في القدم ، أرستقراطية ، وبمقدار ما تدين لها أيضا بحسّها التاريخي. وقد يكون ، في العمق ، أن من اليمن القديمة هذه ، استمدت الكوفة هامشيتها الحادة التي قادتها ببطء إلى الموت ، بعد أن كانت المركز الملتهب للإسلام في عصره الأول.
III ـ اليمنيون وصراعاتهم السياسية
١ ـ المشكلة «الشيعية» :
حاول ماسينيون ، في دراسته الملهمة عن الكوفة ، أن يحلل ـ كما يحلل المطياف الألوان ـ الألوان السياسية للقبائل والعشائر ، ولكن انطلاقا من خط فاصل محدد ٢. هذا الخط يفصل بين الجماعات تبعا لمعيار الارتباط والوفاء لقضية علي ، أو العكس. ويخلص ماسينيون إلى استنتاج مفاده أن اليمنيين مؤيدون للشيعة ، وأن ربيعة هي أيضا كذلك. أما قيس مضر فقد كانت معادية للشيعة بوضوح. وإذ ينهي ماسينيون عملية تحليل طيف الألوان السياسية ، يخلص إلى النتائج التالية :
__________________
(١) نوافق على ما يقول شعبان حول هذه النقطة :. Abbasid Revolution,p. ١٣٥
(٢) Massignon,«Explication du plan de Ku?fa»,Opera Minora,t. III,p. ٥٩.