الأخرى ، لكن على جميع الصفوف.
وتبرز المصادر أيضا هذه المقدرة على الصمود وصبر المقاتلين العرب ، وهذا أمر يعود بنا إلى خلفية المعنويات تجاوزا للمآثر الفردية والقبلية.
وخلافا لذلك ، فقد انهارت قدرة الفرس القتالية في آخر الأيام الأربعة بصورة يرثى لها وكان ذلك نتيجة لمعنوياتهم الرديئة كما كانت حصيلة استنقاصهم للعدو. ومن المتيسر جدا إذا اعتمدنا شهادة الغالبين إبراز السلوك العشوائي الذي ساد جيشا بلا روح ، ولا دافع ، ولا إيمان. وهناك سؤال أكثر أهمية : من كان يقاتل مع رستم؟ هل هي الارستقراطية الفارسية بالسواد ، التي كانت عنيفة في عدائها للعرب ، لكنها أثبتت عجزها قبل ذلك؟ أم جمع المرازبة والملوك والأسياد في الداخل (فارس ، وميديا ، وسجستان ، وخراسان) المصحوبين بمواليهم وأتباعهم؟ كلاهما دون شك. لكن الشعور يحدونا أن الارستقراطيين في السواد بقوا بحصونهم في موقف دفاعي ، وأن الارستقراطية العسكرية بالداخل لم تجند بتمامها ، إذ وجب على العرب أن يقاتلوا فيما بعد أو أن يتفاوضوا مع رؤساء المدن والمناطق. وكأن كل شيء يحمل على الاعتبار أن الامبراطورية لم تعبىء كل قدرتها العسكرية ، لكن كل شيء يحمل على الافتراض أن ما جندته كان مهمّا وبما يكفي للقضاء على جانب عظيم من الارستقراطية الساسانية ، بعد وقوع مقتلة القادسية (١). وكما أن امبراطور بيزنطة واجه العرب في اليرموك بجموع الأرمن وعرب الشام ، إضافة إلى الروم ، فكذلك استخدم يزدجرد أعوانا من الأمم التابعة ، من أجناس أخرى ، كالأتراك وأهالي بخارى ، والديلم (٢). ومن المعلوم أن الديلم تخلوا عن الجيش وانتقلوا إلى الصف العربي. فيعود بنا الأمر دائما إلى أزمة الدولة الفارسية التي لم تتوان عن التأثير على معنويات الجيش والقيادة. لكن ينبغي البحث عن التعليل الأساسي للنصر العربي ، من وراء السياق العام ، في الشعب العربي ذاته الذي شهد تحرر قدراته فجأة ، تبعا لتحول طرأ على التاريخ. وقد تجاوزت معركة القادسية في هذا الصدد مصير العراق لتطرح نفسها كأحد الأحداث الأقوى دلالة في تاريخ العالم.
__________________
(١) الطبري ، ج ٣ ، ص ٥٦٩.
(٢) المرجع نفسه ، ص ٥٦٦.