سعد في سنة ١٧ ه ، أي الاختطاط ، وتوزيع الخطط على القبائل ، وبناء المسجد.
ولا يتحدث هشام بن الكلبي ولا من روى عنهم من أهل الكوفة (١) ، عن الخيام أو خصاص القصب. وهم يلحون على العملية الأساسية الأولى المتمثلة في تحديد مجال مركزي وقع برمي السهام ، ويضم المسجد والقصر. وخلف هذا المجال المحدد بعلامات جعلته منيعا ، وهب سعد خطتين كبيرتين ، واحدة لقبائل اليمن كافة في اتجاه الشرق ، والأخرى لمضر في اتجاه الغرب. وهما تظهران بمظهر المجموعتين الموحدتين ، لكنّ الخطط وزعت على القبائل في صلب كل مجموعة (٢) ، ولم يجر الحديث عن البناء في هذه المرحلة. بل خلافا لذلك ، يحدونا الشعور أن المجال المركزي ، هو الذي يسميه غرابارGrabar (٢) «الفوروم» Forum ، (٣) قد وقع الإقتصار على تحديده. لكن هناك فراغا في الرّواية إذ هي تقفز إلى المغيرة وتنسب إليه توسيع المسجد ثمّ إلى زياد الذي ابتناه (٤). وتقترب هذه الرواية مما رواه ياقوت واعتمده ماسينيون ، لكنها تفترض فكرة التخطيط الفوري النهائي ، مع أنها لم تتحدث عن بناء المسجد قبل ذلك ، حتّى ولو كان باللبن. وتشير هذه الرواية إلى دور المغيرة ، وقد أكّدت على هذا الدور كذلك رواية ثالثة أوردها البلاذري (عن المدائني) ، فنسب إليه صراحة فضل بناء المسجد الذي لم يعمل زياد إلا على توسيعه. علما بأن المسجد هو ما يضفي الطابع العمراني على المدينة ، فإنه يمكن أن نستنتج من ذلك أن البناء بالمواد الصلبة ظهر في ولاية المغيرة. لكن هاتين الرّوايتين الأخيرتين توحيان بأن العمل كان منقوصا ، إذ كيف كان المسجد والقصر في ولاية سعد؟ يصعب الإعتقاد أن الأمر يتعلق بمجرد مجال خال. لقد روى البلاذري نفسه أخبارا أخرى (٥) ذكرت ما أحدثه محمد بن مسلمة بالكوفة ، وقد أرسله عمر لإحراق بوابة القصر الخشبي الشامخة التي كان الوالي يحتجب خلفها عن الرعية. فهل كان قصرا مبنيا من قصب وكان بابه من خشب؟ (٦). لا نرجع ذلك ، وإلّا كان علينا رفض الرواية
__________________
(١) فتوح البلدان ، ص ٢٧٤ يستعمل عبارة «منذ أبيه (محمد) ومشايخ الكوفة».
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٧٥ : من المعلوم أن ياقوتا أورد في معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٤٩١ ، هذه الرواية وسنرى أن هذا التسكين لليمنية شرقا والمضرية غربا ، لا يطابق التصور الخاص بالاستقرار الأول كما وصفه سيف ، ولا بالمتضمنات الأرضية لروايات الثورات التي جدت في القرن الأول الهجري. ويمكن على النقيض من ذلك ترجمة هذا الاستقطاب الثنائي عن وضع جديد نشأ في العصر العباسي حوالى عام ٢٠٠ ه : راجع اليعقوبي ، كتاب البلدان ، ص ٣١١ ، وقد ورد فيه تحديد لموقع مضر إلى الغرب ، ضمن تحركات القبائل. ولم يرو الرواية الثانية الكلبي وحسب ، بل أبو عبيدة معمر بن المثنّى أيضا :.Caetani ,Annali ,III ,٢ ,p.٧٤٨
(٣) عند لابيدوس ،. Lapidus, Middle Eastern Cities, Berkeley and Los Angeles, ٩٦٩١, p. ٤٣
(٤) فتوح البلدان ، ص ٢٧٥.
(٥) فتوح البلدان ، ص ٢٧٧. هذا خبر جدي سنده يعود إلى أبي مخنف وهشام الكلبي.
(٦) هذا ما أكده بوضوح الخبر الذي رواه أبو مخنف.