الاستثنائي بعد إبداء هذه الاحترازات ، وعلينا أن نعتمده من جميع الوجوه. ولنستعرض الأحداث في تسلسلها. فحالما استقر أهل الكوفة ، طلبوا من عمر الإذن في البناء بالقصب.
لم يرفض عمر ذلك مع أنه كان يفضل البقاء بالمعسكرات ، ولا شك أنه كان يؤيد نصب الخيام (١). ثم شب حريق في شهر شوال ، فقضى على كل شيء ، وحصل ذلك بعد عشرة أشهر من استقرار العرب (في محرم). وطالب أهل الكوفة عندئذ بأن يؤذن لهم في البناء الصلب ، يعني باللبن. فكان ذلك منطلق التخطيط ، أي أن التخطيط تزامن مع قرار البناء باللبن. إن نصّ سيف واضح كل الوضوح في هذا الشأن.
الرواية الأولى :
«فبعث سعد منهم نفرا إلى عمر يستأذنون في البناء باللبن فقدموا عليه بالخبر عن الحريق وما بلغ منهم وكانوا لا يدعون شيئا ولا يأتونه إلا وآمروه فيه فقال افعلوا ولا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان ...» (٢).
الرواية الثانية :
«لّما أجمعوا على أن يضعوا بنيان الكوفة أرسل سعد إلى أبي الهياج فأخبره بكتاب عمر في الطرق أنه أمر بالمناهج أربعين ذراعا وما يليها ثلاثين ذراعا وما بين ذلك عشرين وبالأزقة سبع أذرع ...» (٣).
ثم يبدأ الوصف المفصل للأجهزة الأساسية المقامة ، والخطط القبلية ، والسكك ، طبق ترتيب دقيق. فتم في آن التخطيط والتمصير في الجملة. ولقد تحدد الفضاء المركزي (Temenos ـ) بالخصوص في هذا الوقت بالذات الذي يلي تخطيط المسجد : «فأوّل شيء خطّ بالكوفة وبني حين عزموا على البناء المسجد» (٤).
ويستنتج من نص سيف أنه :
أ) في فترة أولى دامت عشرة أشهر وهي فترة التنزيل ، برزت إلى الوجود بصفة
__________________
(١) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٣.
(٢) المرجع نفسه ، ج ٤ ، ص ٤٤ : يمكن أن نستنتج أن بيوت الكوفة العادية لم تتجاوز ثلاث حجرات في القرن الأول ه. ويندر أن تكون بيوت ذات طوابق.
(٣) تابع للخبر الأول بالاسناد ذاته : الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤.
(٤) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤. لاWellhausen في Skizzen ,VI ,p.٥٥١ ، ولاCaetani في Annali ,III ,٢ ,p.٧٥٨. ، ولاCreswell في Early Muslim Architecture ,I ,pp.٨١ ff ، لا أحد منهم أدرك الصلة بين قرار البناء بالصلب وتخطيط المدينة. فأخطأوا جميعا في مدلول الأشغال الأولى التي تحددت بفضلها مساحة مركزية لم يكن المسجد إلّا مركزها هي ، فاعتقدوا أنّ المناهج الفاصلة للخطط القبلية تنطلق من المسجد. لعلّ الوحيد الذي اشتمّ مثل هذا الاحتمال هو ريتميير (Reitemeyer ,op.cit.,pp.١٢ ,٢٣) ، لكنّه يرى أنّ مخطّط سيف يعبر عن هندسة معمارية من الصنف العباسي :.op.cit.,p.٥٣.