فوضوية وبدون تخطيط مسبق نواة مدينة ثابتة ومبنية ، بيوتها من قصب ، وهي متميزة عن المعسكر العادي لكنها لا تبتعد عنه كثيرا.
ب) الرغبة في البناء الصلب ، أي في إنشاء مدينة حقيقية ، ظهرت بقوة وكانت سببا في كافة العمليات التي تؤدي إلى تحقيق هذا المشروع ، مشروع (التخطيط) بالذات. ولم يتم البناء على الأرجح إذن ، انطلاقا من مجال وقع توزيعه وتقسيمه وتم فصله إلى أجزائه المتنوعة ، بل إن البناء هو الذي يكون فرض تحديد هذا المجال.
ولا شك أن سيفا يعرض علينا في هذا المقام مثلا تمصيريا إراديا ، عقلانيا ، سريعا بصورة عجيبة ، مبتعدا عن التصور الذي اعتمده ماسينيون والذي مفاده أن المدينة نشأت نشوء بطيئا ، وهو تصوّر لا يتفق كذلك والأخبار التي رواها البلاذري فيما يخص وجود تخطيط تلاه البناء في مرحلة لاحقة.
الواقع أن علم الآثار يقدم لنا يد المساعدة في هذا المجال ، شواهده تؤكد على وجود قصر شيد تشييدا صلبا في الفترة الأولى (١). فمن بنى هذا القصر؟ هل بناه سعد أو المغيرة؟ هل بني بعد ولايتهما؟. (٢) لا يمكننا الفصل في هذا الأمر. لكن ذلك دليل على وجود مركز أثري قبل العصر الأموي. ويتبين من قراءة المصادر الكتابية وجود عدة أصناف من مواد البناء في اللحظة التاريخية الواحدة. فقد ظهرت في آن واحد وتعايشت في فترة متأخرة جدا من العصر الأموي ، خصاص القصب ، ومساكن من لبن ، وبناءات من آجر (٣) ، لأن مرحلة معينة لا تمحو المرحلة التي سبقتها.
ما من شك في أن التردد ساد في بداية الأمر ، كما أن الاستقرار استتب بصفة فوضوية. على أنّ هذه المرحلة لم تكن لتدوم طويلا ومن المؤكد على كلّ حال أنها لم تدم خمس سنوات (تلك التي ارتآها ماسينيون). ظهرت في الأوّل الخصاص عفويا على وجه أرض
__________________
(١) مصطفى ، مرجع مذكور ، ص ٧٣ : يحدد المؤلف المستوى الأول من الحفريات بدار الامارة التي بناها سعد أو بمبنى قبل إسلامي.
(٢) بني المستوى الأول السابق للعصر الأموي بالآجر ، ولا أثر للزخرفة فيه : محمد علي مصطفى ، مرجع مذكور ، ص ٦١. وبذلك يؤيد علم الآثار أقوال سيف الذي روى أن روزبه بنى دارا لسعد هي «قصر الكوفة اليوم» ، مستخدما آجر القصور الساسانية في الحيرة : الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥.
(٣) لو تبعنا حرفيا نص سيف بن عمر حيث التخطيط مرهون بالبناء باللّبن ، لقلنا أنّ أغلب مساكن الكوفة كانت من لبن إبان التخطيط ، وليس من شكّ في أن دور الأشراف كانت كذلك زمن زياد : على أن ابن سعد ، طبقات ، ج ٦ ، ص ٢٣٨ ، يؤكد «أن عامة الكوفة يومئذ لخصائص» يعني زمن علي بن أبي طالب. ورد في تاريخ الطبري وفي خصوص ثورة ابن المهلب بالبصرة ، ج ٦ ، ص ٥٩٤ ، إن دار الحسن البصري كانت من «خصّ القصب». وهذا يثير تساؤلات محيرة.