يتعلق بالكوفة؟
تقول إن المسجد كان بدون أروقة على كل جوانبه ، قبل إمارة زياد ، باستثناء جانب القبلة. فكان ممكنا مشاهدة دير هند من الصحن ، وباب الجسر في اتجاه الفرات (١) ، وهذا يعني أنه لم تكن هناك جدران مرتفعة كفاية ، لكن لعله وجد سياج من قصب أو جدار صغير من لبن على أكثر تقدير. إن الطابع البدائي للمسجد أي انعدام البناء أو قلته ، نستدل عليه أيضا من أن سعدا هدمه بسرعة كبيرة ونقله إلى الجنوب قرب القصر ، بسبب سرقة بيت المال الذي كان ملحقا بالقصر (٢). أما عن تعليل عملية تقريب المسجد من القصر ، فهو أنه تقوم على المسجد حراسة تكون بالليل والنهار ، وأن حضور الحراس من شأنه أن يمنع تكرار مثل هذه الحادثة العارضة ، مما يفسر أن المسجد يلاصق القصر ، فشكّلا بنايتين متلاصقتين. وسيحتل الموضع الأولي للمسجد بعد ذلك جانبا من السوق ، ويكون من نصيب باعة الصابون والتمر. وهذا ما يفسر عبارة سيف في هذا المضمار الذي أراني أعود إليها :
«فأول شيء خطّ بالكوفة وبني حين عزموا على البناء المسجد ، فوضع في موضع أصحاب الصابون والتّمارين من السوق» (٣).
إن هذه المقولة عن تفتح المسجد ، وسرعة انتقاله بالفعل ، توجهنا إلى فكرة الخلاء غير المشيد ، ومن المعلوم أن المصادر تحدثت بخصوص البصرة عن مسجد مشيد بالقصب (٤). لكن ذلك لا يمنع ، لا محالة ، وجود قاعة مسقفة للصلاة (وهذا هو المعنى الذي تؤديه كلمة ظلة) تتجه إلى القبلة (٥) ـ مع العلم أنها حادت عنها قليلا (٦) ـ. إن المصادر التي بين أيدينا لا تتكلم إلا عن الصحن وتصفه بأنه صحن غير مسيج أو قليل التسييج ، مما يتيح الإشراف على الجسر ودير هند. لكن الارجح أن هذه الظلة كانت موجودة منذ البداية ، وقد شيدت تشييدا خفيفا بالقصب وحتى باللبن (٧). وبعد أن وقع نقل المسجد ، وهدمه سعد ،
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٧. وجاء في روايات أبي مخنف المتعلقة بدير هند أنه يقع إلى الشمال الشرقي ، قرب الجسر بالذات : الطبري ، ج ٦ ، ص ٢٢ مثلا. والشابشتي صريح في تحديد موقعه بالحيرة : الديارات ، ص ٢٢٤ ـ ٢٤٥ ؛ وياقوت أيضا : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٥٤١.
(٢) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٦ : صار المسجد ملاصقا للقصر وكانت من قبل تفصلهما مسافة مائتي ذراع ـ ١٠٨ أمتار.
(٣) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤.
(٤) فتوح البلدان ، ص ٣٤١ ، على الأقل أثناء الفترة الأولى ، في عهد عتبة.
(٥) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٤ ؛.Caetani ,Annali ,III ,٢ ,p.٨٥٨.
(٦) بما قدره ١٧٠ درجة : الجنابي ، ص ١٤٤ ، الذي اعتمد التنقيبات الأثرية لعام ١٩٣٨.
(٧) في عام ١٦ أو ١٧ ه. بنى أبو موسى في البصرة المسجد باللّبن وغطاه بالقصب : فتوح البلدان ، ص ٣٤٢.