ستحدد مورفولوجيا المدينة الاسلامية العتيدة بأكملها.
المسجد الأصلي :
لا فائدة من التذكير بالمناقشات التي دارت بين المستشرقين والمؤرخين المسلمين بخصوص فكرة المسجد ، طالما كانت المواقف مطبوعة هنا وهناك بالعجز عن استقراء النصوص وإمعان النظر فيها. أما في العصر الحديث ، فقد اهتم غرابار بقضية مولد المسجد الاسلامي وتطوره (١). وقد يعاب على غرابار أيضا ، أن بحثه عن «نمط مثالي» ، جعله يتنقل دون حرج وبنوع من الخفة ، من القرآن إلى ابن خلدون. إن أقواله يمكن أن تعتبر في آن صحيحة وخاطئة ، من وجهة دراستنا المونوغرافية ، كما من وجهة المنطق التاريخي المجرد ، من جهة أخرى. فمن البديهي أن القرآن يماثل بين فكرة المسجد وفكرة المعبد ، لأن المعبد كان المرجع العالمي في ذلك العصر. لكن ما لا يقل بداهة أن الإسلام الذي عرّف بنفسه كدين جديد ، لم يكن له منذ البداية ، إلا أن يضفي على «المعبد» الاسلامي خصوصيته الاكثر صرامة. ويتحدث غرابار من جهة أخرى (٢) عن ظهور «مركز» مدني / موطني ـ civic center بالكوفة والبصرة والفسطاط ، وهو أمر صحيح. لكنه لا يكاد يدرك فيه الجانب التقليدي والعادي ، لأن مركز النشاط الموطني لا يتعارض مع الخطط القبلية ، كما لا يتعارض المسجد المركزي مع مساجد العشائر إلا بقدر ما يتعلق الأمر بدين جديد وجب غرسه ، ولربما وجد معبد ومركز للسلطة أيضا ، لو تعلق الأمر بدين قديم. والنقطة الثالثة والواجب دحضها إطلاقا هي أن المركز وهو الشبيه بالفوروم forum كما يقول غرابار عن حكمة (٣) ، لا يماثل المسجد لا من حيث المجال ولا من حيث الوظيفة (وهذه فكرة أخذها عن لامنس. (Lammens بل هو يتطابق مع الصحن كافة ، كما ذكرنا آنفا. وأخيرا فرأيه القائل إن المسجد ذاته بقي مدة طويلة خلاء ، أو إنه لم يصبح بناية قائمة إلا في العصر الأموي ، هو رأي صحيح ، إذا اعتمدنا بعض الاشارات الواردة في النصوص التي بين أيدينا ، وهو ليس كذلك حسب بعض الروايات الأخرى (٤). فما تقوله هذه النصوص فيما
__________________
(١) Grabar,» The Architecture of the Middle Eastern Cities from the past to present : The case of the Mosque «in Middle Eastern Cities, pp. ٦٢ ـ ٦٤.
(٢) Ibid.,pp.٣٣ ff.
(٣) Ibid.,p.٤٣. «عادة يسمّى هذا الميدان مسجدا وسمّي مصلّى مرّة واحدة» يقول غرابار ذلك بالاستناد إلى الخطوات الأولى التي قطعتها الكوفة والبصرة والفسطاط.
(٤): Ibid.,p.٥٣. «تحول المسجد إلى بناء بعد أن كان خلاء». وكان ذلك بين ٦٥٠ و ٧٥٠ ، وهي المرحلة الثانية من تاريخ المساجد.