كان قلعة أم لا. وهذا التقليد لا يمكن أن يقال عنه إنه بابلي أو هلنستي أو روماني أو ساساني ، إلا أن العرب استبطنوه قبل الإسلام وزاد استيعابهم له بعد أربع سنوات قضوها بالعراق ، منها سنة بالمدائن نفسها.
لكن المدائن كانت حاضرة مشيّدة ، فلا تقدر على أن تكون أنموذجا في هذه المرحلة الأصلية ، على أرض خلاء. فإذا كان المشيدون الفرس الساسانيون كروزبه (١) حاضرين ، فلا يوجد سبب لاستبعاد حضور خبراء في التمصير معهم. والأهم من ذلك هو الدور الذي قام به بعض أشراف الحيرة في هذه المرحلة الأولى من ظهور الكوفة. فقد روى أن ما قدموه من نصائح كان حاسما لاختيار الموقع (٢). وكما تأكد في علم الآثار ، وخلافا لما ورد في المصادر الكتابية ، فإذا صح أن المواد والتأثير المعماري الذي جاء من الحيرة ، كان قليل الأهمية ، فإن البذل الحيري كان مهما على صعيد التصور المعماري. وهو ما يمكن أن نسميه اللحظة الحيرية في تاريخ الكوفة (٣). كان التصور الأولي عربيا إذا وتغذى بالزاد العربي الأولي كما تغذى بالتقاليد التمدينية القديمة الغامضة التي تسربت من قبل إلى شبه الجزيرة. ووجد أيضا وعلى الأرجح تأثير فارسي ، وهو يتلون بلون غرب بلاد الرافدين ، بمعنى أن بابل أثرت فيه. وكان للحيرة أخيرا دور الوسيط فنقلت نظرة معمارية مزدوجة تركبت من عناصر هلنستية وفارسية ومن بلاد الرافدين وعناصر عربية (٤). مما لا مراء فيه أن كل هذه العوامل مع إضافة التأثير اليمني (٥) ، تضافرت لتنير سبيل المنشئين وتزودهم قبل كل شيء بصورة المساحة المركزية. هذا وإن الظروف الموضوعية التي كان يعيشها المهاجرون العرب يسرت الأمور. كانوا يمتلكون دولة عسكرية مركزية كانت تستلزم وجود مجال للقيادة ، ومكان لممارسة السلطة ، وهو أمر لم يكن معمولا به في مكة خلال العصر الجاهلي. وهم أيضا مكتسبون لدين ، كان جوهريا لوجودهم كأمة ، وهو يدخل في علاقة شبه عضوية بالقيادة السياسية العسكرية. لكن ، بما ان الإسلام حظر الخلط بين التجارة والصلاة ، فلن يكون المسجد معبدا متاجرا ، حسب التقليد العتيق ، وستتميز عنه السوق على الرغم من وقوعها في المركز (٦). وهكذا ندرك المستقبل الذي كان يترقب هذه البنية الثلاثية للنواة المدنية ، التي
__________________
(١) الطبري ، ج ٤ ، ص ٤٥ ؛.Caetani ,Annali ,III ,٢ ,p.٠٦٨.
(٢) فتوح البلدان ، ص ٢٧٥.
(٣) محمد علي مصطفى ، مرجع مذكور ، ص ٤٥.
(٤) راجع في خصوص الحيرة صالح أحمد العلي ، مرجع مذكور ، ص ٢٨ ـ ٤٤.
(٥) راجع بحثنا بعنوان» Les Yamanites a ? Kufa au ١ er sie ? cle de l\'Hegire «في : JESHO ,XIX ,٢ ,٦٧٩١ ,.p.٧٧١.
(٦) Wirth,» Zum Problem des Bazars) suq, carsi («, Der Islam, ١٥) ٤٧٩١ (, pp. ٣٠٢ ـ ٠٦٢, et ٢٥) ٥٧٩١ (, pp. ٦ ـ ٦٤.