وتنفس عمه الصعداء ، وقال بلهجة الواثق العارف بحقيقة الأمر : « إذن ترى ما تكره ».
وكان علي رفيقاً لا يريد العنف ، ورحيماً لم يشأ الخلاف ، يتلفت وراء الغيب ليرى ما يحاك ضدّه ، غير بعيد عن حقد قريش عليه ، ولا استهانتها به ، ولا تأمرها الصريح تجاهه ، وقد رسخ بذهنه بادئ ذي بدء أن الأمر بينه وبين عثمان ، أو بين عثمان وعبد الرحمن ، وأن كفتهما هي الراجحة لا شك في هذا عنده ، وقد أشار بهذا لعمه العباس : « سعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر لعثمان لا يختلفون ، فيوليها عبد الرحمن عثمان ، أو يوليها عثمان عبد الرحمن ».
وكان عبد الله بن عباس قد تنبه لهذا المدرك والتفت إلى علي عليهالسلام « أقال عمر : إن رضي ثلاثة منكم رجلاً منهم ، ورضي ثلاثة رجلاً منهم ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ». فقيل له : نعم ؛ فقال ابن عباس :
« قد ذهب الأمر منا ».
ونهاه ابن عباس عن الدخول في الشورى ، فقال علي عليهالسلام : « ولكني أدخل في الشورى لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة ، وكان من قبل يقول : إن النبوة والخلافة في بيت واحد لا يجتمعان ، وأردت أن أظهر أن روايته تناقض فعله ».
وكان الأمر كذلك فرواية عمر قد ناقضت فعله ووصيته ، ولكنه ابتعد بها عن علي واشتط عنه ، بيد أن علياً أجال فكره فيما تحدث به عمر عندما حدد هؤلاء الستة ، إذ قيل له : « قل لنا يا عمر مقالة تستدل فيها برأيك ونقتدي به ».